
أ.د. رضا عوض
أم سليم بنت ملحان (المؤمنة الداعية)
هى الرميصاء أم سليم بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن عامر بن غنم بن عدى بن النجار الأنصارية الخزرجية. كانت ذات أنوثة وجمال تزينها رزانة وسداد رأى وتتحلى بذكاء نادر وخلق كريم حتى غدت حديث طيبة يشار لها بالبنان ويثنى عليها كل لسان. ولهذه الصفات العظيمة سارع ابن عمها مالك بن النضر فتزوجها فولدت له أنس. وكانت أم سليم مع السابقين إلى الإسلام من الأنصار, وكان من أوائل من وقف فى وجهها زوجها مالك الذى غضب وثار عندما رجع من غيبته وعلم بإسلامها. فقال لها بغضب بالغ: أصبوت؟ فقالت بيقين ثابت: ما صبوت ولكنى آمنت. وجعلت تلقن أنس: قل لا إله إلا الله قل: أشهد أن محمدا رسول الله ففعل فيقول له أبوه: لا تفسدى على ابنى فتقول: إنى لا أفسده بل أعلمه وأهذبه. وكانت أم سليم عزيمتها تمتاز بعزيمة أقوى من الصخر فخرج زوجها من البيت غاضبًا فلقيه عدو له فقتله. ولما علمت أم سليم بمقتل زوجها احتسبت وقالت لا جرم لا أفطم أنسًا حتى يدع الثدى ولا أتزوج حتى يأمرنى أنس. وذهبت أم سليم إلى الحبيب العظيم صلوات الله عليه وسلامه على استحياء وعرضت عليه أن يكون فلذة كبدها أنس خادما عند معلم البشرية كل خير, فرحب رسول الله صلى الله عليه وسلم وأقر عينها بذلك. ومضى الناس يتحدثون عن أنس بن مالك وأمه بإعجاب وتقدير ويسمع أبو طلحة بالخبر فيهفو قلبه بالحب والإعجاب فيتقدم للزواج من أم سليم وعرض عليها مهرا غاليا. إلا أن المفاجأة أذهلته وعقلت لسانه عندما رفضت أم سليم كل ذلك بعزة وكبرياء وهى تقول: إنه لا ينبغى أن أتزوج مشركًا أما تعلم يا أبا طلحة أن آلهتكم ينحتها عبدآل فلان وأنكم لو أشعلتم فيها نارًا لاحترقت. فأحس أبو طلحة بضيق شديد فانصرف وهو لا يكاد يصدق ما يرى ويسمع ولكن حبه الصادق جعله يعود فى اليوم التالى يمنيها بمهر أكبر وعيشة رغدة عساها تلين وتقبل. ولكن أم سليم الداعية الذكية تشعر بأن قلعة الإسلام فى قلبها أقوى من كل نعيم الدنيا فقالت بأدب جم: (ما مثلك يرد يا أبا طلحة ولكنك امرؤ كافر وأنا امرأة مسلمة لا تصلح لى أن أتزوجك. فقال: ماذاك دهرك. قالت: وما دهرى؟ قال: الصفراء والبيضاء. قالت: فإنى لا أريد صفراء ولا بيضاء أريد منك الإسلام. قال: فمن لى بذلك؟ قالت: لك بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم. فانطلق يريد النبى وهو جالس فجاء فأخبر النبى بما قالت أم سليم فتزوجها على ذلك. وفى رواية: ( والله ما مثلك يا أبا طلحة يرد ولكنك رجل كافر وأنا امرأه مسلمة ولا يحل لى أن أتزوجك فإن تسلم فذاك مهرى ولا أسألك غيره). لقد هزت هذه الكلمات أعماق أبى طلحة وملأت كيانه فقد تمكنت أم سليم من قلبه تمامًا فليست هى بالمرأة اللعوب التى تنهار أمام المغريات، إنها المرأة العاقلة التى تفرض وجودها وهل يجد خيرا منها تكون زوجا له وأمًا لأولاده؟! وما شعر وإلا لسانه يردد ( أنا على مثل ما أنت عليه أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله). فالتفتت أم سليم إلى ابنها أنس وهى تقول بسعادة بالغة أن هدى الله على يديها أبا طلحة: قم يا أنس فزوج أبا طلحة فزوجها وكان صداقها الإسلام. وبذلك قال ثابت راوى الحديث عن أنس (فما سمعت بامرأة قط كانت أكرم مهرا من أم سليم كان مهرها الإسلام).