السبت 18 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«عنكبوت فى القلب» ومخيلة الصورة الروائية

«عنكبوت فى القلب» ومخيلة الصورة الروائية

عرفت الرواية فى مساراتها المختلفة، ودروبها الوسيعة أنساقا متعددة من الكتابة، وفى رواية «عنكبوت فى القلب»، والصادرة فى القاهرة حديثا (هيئة الكتاب 2019)، يُحول الشاعر والروائى محمد أبوزيد غير المألوف إلى مألوف، منطلقا من العادى إلى الغرائبى، لاعبا فى تلك المسافة الحرة بينهما؛ ولذا تبدو الرواية لعبا فنيا على مساحات التقاطع بين الواقع والخيال، وتنهض بنيتها التى يمكن تلمسها فى كل فصل من فصولها الأربعة (فتى/ فتاة/ مؤلف/ سيارة)، ومقدمتها الدرامية وبنيتها الكلية على جدل الحضور والغياب، وتقاطع المتعين مع المتخيل.. ويتوزع السرد بين مسارين أساسيين تجدل بينهما الرواية، حيث ثمة واقعيون، وثمة متخيلون أيضا. ثمة حقيقة، وثمة خيال، عبر سرد يجدل بين الواقع والفانتازيا، ولا يكتفى بالمزج بينهما، فمن جدلهما الخلاق يتشكل المنحى الرئيسى للسرد، ويتخلق المسار السردى المركزى فى الرواية. ثمة شخصيات واقعية تحضر فى الرواية، (هانى عبد المريد، والقاص الطاهر شرقاوي)، مثلما نرى حضورا لشخصيات فانتازية، فيحضر علاء الدين بمصباحه السحري، ومشاجراته مع زوجته المستبدة، ومع الجنى أيضا، كما تحضر سنووايت برقتها ونعومتها، لكنهم جميعا -واقعيين ومتخيلين- حين يحضرون، يصبحون جزءا من نسيج النص الروائي، ومنطقه؛ ولذا ستجدهم متخذين فى حضورهم داخل النص دلالة أخرى، هى ابنة المسار االسردي، هذا المسار المتشعب والمتشظى فى مسارات مختلفة، تعتمد فى بنائها على آليات التداعى الحر، والتدفق الحكائي، والانتقالات السردية الرشيقة، والتى تمثل جميعها ملامح أساسية للسرد هنا، وتقنيات مركزية يعتمد عليها البناء الروائى.  يضع محمد أبوزيد مقدمة لروايته تأخذ شكل التقسيم المقطعى المعتمد على الأرقام اللاتينية، فى حال من الجدل بين الثقافتين العربية والغربية، فالرواية تتشكل من أربعة فصول، وتعتمد الشكل الكلاسيكى فى التسمية (الفصل الأول/ الفصل الثانى / الفصل الثالث/...)، وتتشكل المقدمة أيضا من أربعة مقاطع وتأخذ فى عناوينها الترقيم اللاتيني.  ثمة سارد رئيسى يحكى ويقبض على زمام الحكاية من أولها لآخرها، ويبدو راويا عليما دائما، ومشاركا أحيانا. يستدعى شخوصه من قلب التراث الحقيقى أوالفانتازي، من قبيل استدعائه للشاعر العربى القديم (تأبط شرا)، وعلاء الدين القادم من رحم التراث والأسطورة، كما يستدعى شخوصه أيضا من الواقع الحقيقي، أو من المتخيل.. تلعب الرواية على مسافات الجدل والتقاطع بين الشخوص والأحداث، والحقيقة والحلم، ثمة تماس بين «بيبو»، و»ميرفت»، الشخصيتان المركزيتان فى الرواية، واللذان يحتلان فصلين من فصولها الأربعة (فتى/ فتاة)، ويحضران فى الفصلين الآخرين ( مؤلف/ سيارة). يتوق «بيبو» لحياة عادية بعد أن حاصرته الهواجس والخيالات، ويعمل فى مستشفى العباسية للأمراض النفسية ومعه صديقه «إتش»،. والذى يسائله ويتداخل معه بشأن صداقته بالمثلة الفرنسية الجميلة أودرى تاتو، أو «صوفى» فى الفيلم الشهير «شيفرة دافنشى». اما ميرفت فهى تحيا حياة مغلقة ومملة، وميرفت عبدالعزيز التى تحضر فى الرواية بوصفها أحد مراكز الحكى داخلها والتى يتناص من خلالها أبوزيد مع مشروعه الشعرى عبر أكثر من ديوان، من قبيل حضورها فى دواوينه (قوم جلوس حولهم ماء/ مديح الغابة/ مقدمة فى الغياب) وغيرها، حيث نجد ظلالا  شعرية لها فى مفتتح بعض المقاطع. وبما يعنى أن الروائى هنا يتناص مع أعماله الشعرية السابقة التى حوت حضورا داخلها لشخصية متخيلة هى ميرفت عبدالعزيز التى تبدو أيقونة للبراءة والدهشة الخارجتين من رحم العادية، فميرفت التى تهوى العناكب وتحب الوحدة تقيم عالمها من تفاصيل صغيرة تخصها.  ومثلما يتشابك المساران الواقعى والمتخيل، يتشابك مسارا الشخصيتين المركزيتين فى الرواية (بيبو وميرفت)، ويبدو الحب معنى مبتورا، مثلما بدت الرواية فى مجملها بحثا عن ذلك المعنى الغائب، كما يلوح حس ساخر، وتصبح السخرية آلية لإنتاج المعنى، فمن خلالها تتعمق المفارقات اللفظية والدرامية التى تزخر بها الرواية.. ثمة حضور للفنون البصرية والأدائية فى بنية الرواية، حيث يتماس الكاتب كثيرا مع السينما بنجومها العالميين وأفلامها المتعددة، فيحضر جريجورى بيك وأودرى تاتو، وفيلم شيفرة دافنشي، وليس الرواية، وتحضر جنيفر لوبيز، وجنيفر أنيستون، وكيت وينسليت، وغيرهم، وتتشكل صورة سردية تعتمد فى بنائها على المشهدية البصرية بالأساس، حيث يتسم المقطع السردى هنا بإمكانية تخيله بصريا، واعتماده كثيرا على أفعال الحركة.. وتلعب بعض الشخصيات الهامشية دورا فى منح السرد أبعادا جديدة، وتبدو جزءا من الدلالة الكلية الساخرة للنص، وهذا ما يبرز مثلا فى الإشارة إلى شخصيتى إتش، وعبدالله هدهد. وبعد.. تأتى الرواية فى ظل موجة جمالية جديدة، حيث تهيمن مخيلة الصورة على السرد،  كما يتجادل الحكائى مع البصرى فى تخليق جمالية مغايرة للتلقي، تبدو مختلفة عن السائد والمطروق.