الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ر

ر

الخير اللى هتعمله فى حياتك،هيبقى سر سترك فى دنيتك ومماتك، الرحمة اللى هتوزعها على خلق الله،هى اللى هتفضل لك والكل هيفتكرهالك، التكبر والجبروت، والغرور والكسل والجهل والاستبداد والأنانية هيطاردوك،طول حياتك وبعد مماتك.. المزيج القاتل ده مش بس هيدمرك  لوحدك .. ده ممكن يدمر مجتمعات كاملة. الرحمة صفة من صفات الخالق، لن تجدها إلا فى أصحاب القلوب النقية و الأخلاق الكريمة والمتسامحين مع أنفسهم قبل تسامحهم مع الآخرين. عندنا فنان عظيم اسمه «سليمان بك نجيب» كان مثالا للرحمة والإنسانية ..علم وثقافة وأصل وأخلاق وخفة دم . سليمان بك نجيب  كان يعامل الجميع بأخلاقه الكريمة وقلبه النقى، كان لخادمه 3 أولاد تكفل بحياتهم وتعليمهم.. كان بنفسه بياخدهم للمستشفى  لو تعبوا ويشترى لهم الدوا،ويسهر معاهم لحد ما يتأكد إنهم أكلوا وذاكروا وناموا. كان الخدم الخاص بسليمان بك نجيب  هم  أصحاب البيت،وهو اللى كان ساكن فيه...عايشين كأنهم الملاك، بحب منه وعشم فيه،يأكلون من أكله.. يجلسون معه على ترابيزة السفرة ولا يأكل إلا إذا مدوا أياديهم، ومعهم نسخ من المفاتيح يدخلون ويخرجون فى  أى وقت... حتى عندما كان يغضب منهم يترك هو البيت ويخرج.. ويقولهم أنا خارج وسايبلكم البيت كله.. ولما يرجع  يقف على باب الشقة ويقولهم أنا جيت أدخل ولا أرجع . سليمان بك نجيب لما الدادة بتاعته  ماتت  كان خارج مصر،رفض أهله إنها تدفن مع والدته لأنهم شايفنها مجرد دادة .. الفنان الراحل حزن بشدة حينما علم بالخبر، وأمر بدفنها مع والدته وقال: «هو كمان فيه تقاليد فى الموت، بيه وباشا حتى فى المقبرة، عجايب على الناس دول.. كلها نومة واحدة». سليمان بك نجيب عندما توفى أوصى  بشقته لخادمه وأولاده وبسيارته للسواق.. والمطبخ والسفرة للطباخ،والمقتنيات  لدار الأوبرا المصرية اللى كان هو أول رئيس مصرى لها. أعمال وطيبة سليمان بك نجيب سترته حتى آخر يوم فى عمره وعند وفاته كان شقيقه الوحيد «حسنى» مسافرا فى العراق، فتولى عبدالحميد الجبالى صديق الفنان الإنفاق على الجنازة والمأتم. ولما عاد حسنى نجيب أخذ يراجع مصاريف الجنازة، وجمع له «عبدالحميد الجبالى» الفواتير فوجد إجمالى ما أنفقه مبلغ 299 جنيها وقرش واحد . وأخرج «حسنى» دفتر شيكاته ليدفع المبلغ، فجاء خادم سليمان  بك نجيب  الخاص وأخبره أن هناك مبلغا من المال فى الدولاب،وأن البك وضعه لمصاريف جنازته وأخبره عن مكانه، ولما فتحوا الدولاب وجدوا كمية من النقود فئة الجنيه والخمسين قرشا والعشرة قروش والقرش الصاغ. وكانت المفاجأة بعد إحصاء تلك النقود حيث وجدوها 299 جنيها وقرش  صاغ واحد وهو نفس تكاليف الجنازة. أعادوا مراجعة الفواتير من جديد فوجدوها نفس المبلغ، فأصابتهم الدهشة، فكأن سليمان بك نجيب  أعد نفسه لمغادرة الدنيا وجهز نفقات جنازته بعد أن أحصاها بالجنيه والمليم. الخير الكثير  إللى عمله  سليمان بك نجيب فى حياته ستره فى مماته، فتربيته المرموقة الارستقراطية لم تكن فقط الدافع الأساسى وراء المواقف النبيلة التى اشتهر بها الفنان الجميل، بل كانت نزعته الإنسانية المُحبة للخير وقلبه الكبير الذى وسع الجميع ثرى كان أو فقير. الإنسانية والرحمة تعنى الشعور بالآخر بمرضه، بفقره، بضعفه، بآلامه، باحتياجه، وتعنى أيضا التعامل مع الناس بلين. وهى صفات  كانت معروفة عن المصريين، لكن حدث تغيير كبير فى مجتمعنا وأخلاقنا؛ فأصبحنا ذوى قلوب قاسية. التغيير الذى حدث فى المجتمع تغيير مخيف وصادم، تغيير يجعلنا نشعر  بالذهول، ونتساءل: ماذا حدث لنا، ما كل تلك القسوة التى أصابت قلوبنا،لماذا كل هذا الجفاء الذى بداخلنا، لماذا ماتت قلوب بعضنا.. لماذا كل هذه الطبقية والتكبر والتجبر.. لماذا غابت عنا «ارحم تُرحم».