الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
زينات صدقى

زينات صدقى

لا كانت قبيحة، ولا عانس، ولا موتورة شعنونة، ولا حتى سعيدة.. زينات صدقى، جمالها كان أوروبيا خالصا، عيون ملونة جميلة، وبشرة بيضاء وقوام ملفوف، تزوجت وهى بنت 15 عامًا، من طبيب من أقارب والدها، ولكن «زينب» وهذا هو اسمها الحقيقى لم تتحمل حياتها الجافة أكثر من 11 شهرًا، ووقتها توفى الوالد، فانفصلت عن زوجها وهجرت الإسكندرية التى ولدت وتربت فيها، ووهبت نفسها للفن. المبهجة التى أضحكتنا، والشعنونة التى لا تتوقف عن الهزار والضحك، لم تكن سعيدة، عقلها كان «يوزن بلد» وطيبتها وإحساسها بالناس لم يكن لهما مثيل، فى عز شهرتها، كانت على المسرح والضحك شديد فى الصالة تجاوبا معها.. بين الفصول، فوجئت بوفاة أحد الكومبارس.. الجميع اتفق على إخراجه من الباب الخلفى، وإتمام المسرحية بحجة الجمهور «مالوش ذنب».. وحدها زينات صدقى رفضت وانهارت باكية، لم تستطع أن تتحمل الموقف ولا القلوب المتحجرة حولها..خرجت للجمهور تطلب قراءة الفاتحة له وتعتذر عن استكمال فصول المسرحية..وصدمها أنه لا يملك مقبرة..فقررت شراء مقبرة ووهبتها صدقة لكل محتاج.. وهى نفسها المقبرة التى دفنت فيها واستجابة لوصيتها كتبوا على المقبرة «عابر سبيل». سنوات طويلة عاشتها «زينات صدقى» فى صحبة القرآن تلاوة وإنصاتًا للقراء فى الإذاعة..سنوات طويلة اعتادت كلما احتاجت شيئًا أن تكتب رسائل إلى الله و تضعها بين صفحات المصحف التى تقرأ فيه لتفاجأ باستجابة المولى عز وجل لها. سنوات طويلة لم تتوقف فيها عن شراء المصاحف.. وإهدائها لكل من يزورها فى البيت أو «اللوكيشن»,  لدرجة أن جارها «القسيس الطيب» زارها فى مرضها، فقالت له بطريقتها الكوميدية الجميلة: «أنا بحب أهدى مصحف لكل اللى يزورنى...» مصحفك أهو».. فأخذه منها مبتسمًا ووضعه بجوار الإنجيل فى صالة منزله. «زينات صدقى» لم تتوقف عن فعل الخير يومًا واحدًا، بحثت دائمًا عن الخير وعمل الخير.. فى إحدى المرات شاهدت صديقة عمرها» خيرية صدقى» والتى بدأت معها الفن واستعارت اسم والدها لتختفى من أسرتها التى رفضت عملها بالفن، شاهدتها فى أحد شوارع عابدين توقفت واحتضنتها وبكت لأنها أخيرًا وجدتها بعد سنوات بحثت فيها عنها فى القاهرة والإسكندرية. «خيرية» حكت لها ظروفها الصعبة وأنها توقفت عن الرقص والفن وتزوجت وعندها 3 أبناء ومنذ ذلك اليوم قررت زينات صدقى تخصيص راتب شهرى لصديقة عمرها لتساعدها فى حياتها. «زينات صدقى» لم تفعل ذلك مع صديقة عمرها فقط.. فقد خصصت رواتب شهرية لكثير من المحتاجين، وكانت تلك الأموال تعود إليها أضعافًا مضاعفة لدرجة أنها كانت تهرب من المنتجين بعد أن وقعت عقود تمثيل 23 فيلمًا فى عام واحد وأصبحت القاسم المشترك فى كل أفلام نجوم الكوميديا وقتها.. والجميع يتسابق لتكون فى فيلمه الجديد. نجحت زينات صدقى نجاحًا لم تتوقعه هى نفسها، حتى أنها أصبحت حديث مصر كلها.. وتودد لها الكثيرون يطلبون ودها وتزوجت بالفعل من شخصية معروفة رفضت هى نفسها الإفصاح عن اسمه، إلا أن هذه الزيجة لم تدم أكثر من 3 شهور وتم الطلاق بسبب انشغالها بالفن، فعاد الحزن يطرق بابها من جديد. رغم الشهرة.. عاشت زينات صدقى وهى تعرف جيدًا أن حياة الإنسان فى هذه الدنيا محدودة، وأنفاسه معدودة محسوبة، عاشت للناس فيما تكسب الكثير والكثير.. ويمكن أكثر مما لها هى نفسها .. تبحث عن السعادة الحقيقية وتساعد الجميع بود واحترام، مشيت بمبدأ «اعمل الخير وارميه فى البحر» لكن مع الوقت اكتشفت أنه «مش فى البحر»، عمل الخير رجع لزينات صدقى أضعافًا أضعافًا من الستر والصحة وراحة البال وعزة نفس وكرامة لدرجة أن الرئيس السادات اتصل بها بنفسه ليبلغها بالتكريم فى عيد الفن، عام 1976 وبعدها أصر أن تحضر فرح ابنته وتجلس على نفس الترابيزة التى تجلس عليها «جيهان السادات». فعلًا عمل الخير هو الأبقى.. الجسد يرحل لكن الذكرى الطيبة تظل باقية.. فعيشوا كرامًا بعزة نفس.