الخميس 18 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«رايحين علي فين»؟
كتب

«رايحين علي فين»؟




 


    كرم جبر روزاليوسف الأسبوعية : 08 - 05 - 2010



- الرئيس يحدد ملامح المرحلة المقبلة ويطرح برنامج عمل جديداً


- رسالة قوية لكل المصريين: «لانتردد.. لا نهتز.. لا نتزعزع»


- مصر تبني وطناً قوياً للأجيال القادمة وليس للفوضي والتخلف


- دعوة صادقة من الرئيس لحماية الوطن من مخاطر الانتكاس


- لا يمكن تعطيل الحياة السياسية والتفرغ لمعارك تغيير الدستور


- فصل الدين عن السياسة هو الطريق الآمن لترسيخ معالم الدولة المدنية


- الرئيس يرسم خريطة واضحة المعالم لتحقيق العدل الاجتماعي


- ويطالب بضمانات قانونية لحماية حقوق العمال وسداد مستحقاتهم


- رفع الأجور ليس بالشعارات ولكن بزيادة إنتاجية العامل ورفع مستواه


أولاً: عاد الرئيس سليماً معافي، يتمتع بموفور الصحة والعافية، أقوي عزماً وأشد تصميماً من أي وقت مضي، قاطعاً علي نفسه عهداً بألا ترتد حركة مجتمعنا إلي الوراء.


مصر قطعت شوطاً طويلاً علي طريق الإصلاح والتنمية، وتبني وطناً قوياً مستقراً ويقف علي أرض صلبة، وطن آمن ومطمئن تسلمه للأجيال القادمة، ليواصلوا العمل علي إصلاحه وتطويره، فليس للمصريين أرض يعيشون عليها ولا سماء تظلهم غير مصر.
دفع الرئيس في شرايين الوطن شحنة جديدة من الحماس والعزيمة والإصرار، مجدداً الأمل بأن مصر تمضي إلي الأمام، ولن تعود أبدا للوراء.. لم يكن كلاماً خطابياً ولا عبارات إنشائية، ولكن وراء كل كلمة وحرف في خطابه في عيد العمال ما يؤكد هذه المعاني ويرسخ مفهومها قولاً وفعلاً.
مصر للمصريين، وليس لتسلمه للفوضي والتخلف والتطرف والعودة لعصور الظلام، أو الارتداد إلي الوراء سواء سياسياً أو اقتصادياً أو اجتماعياً، فلا بديل عن الثقة في قدراتنا، والتصميم علي المضي قدماً إلي الأمام.
--
ثانياً: الرئيس كان قاطعاً وهو يوجه رسالة شديدة اللهجة من ثلاث كلمات «لا نهتز ولا نتردد ولا نتزعزع».. ولا أكون مبالغاً إذا قلت إن السبب الرئيسي وراء تفاقم كثير من مشكلاتنا هو هذا الثالوث المدمر «الاهتزاز.. التردد.. الزعزعة».. وتراجع أصحاب العزائم القوية إلي الوراء وتصدر المترددين للصفوف الذين يظهرون شيئاً ويبطنون أشياء.
لا اهتزاز في السياسات الاقتصادية التي تسير علي نهجها البلاد والتي حازت ثقة المجتمع الدولي، فأقبل - مثلاً - علي شراء السندات المصرية إيماناً منه بأن مصر تسير علي الطريق الصحيح، وأن اقتصادها قادر علي الانطلاق والنمو.
لا تردد في ترسيخ معالم الدولة المدنية الحديثة التي تجهض أطماع المتربصين بمستقبل هذا الوطن، دولة المؤسسات التي يحكمها الدستور والقانون، وتواصل إصلاحها السياسي بخطوات هادئة ومتدرجة، ولا تقفز أبدا إلي المجهول الذي يعرض مستقبلها للخطر.
لا تتزعزع ثقة هذا الوطن في نفسه وفي أبنائه وفي قدرتهم علي حفظ أمنه واستقراره، لا تفريط ولا مساومة ولا انحياز إلا لمصر وشعبها.
--
ثالثاً: الإيمان الكامل بالديمقراطية وتحمل تجاوزاتها وأخطائها.. إلا شيء واحد هو حدوث انفلات يعرض مصر وأبناءها لمخاطر الانتكاس.. وهذا التنبيه الهادئ للرئيس يحمل أكثر من معني.
فالحراك السياسي غير المسبوق الذي تشهده البلاد حالياً، هو نتاج الشرارة التي أطلقها الرئيس بالتعديلات الدستورية عامي 2005 و2007 والتي فتحت شهية المصريين لمزيد من الإصلاحات السياسية.. أي أن البداية كانت من الدولة ومن الرئيس وليس بفعل أية ضغوط، وتأتي في إطار إصلاحات سياسية واقتصادية متدرجة.
فتحت هذه التعديلات الرغبة في التغيير، ومن حق الناس أن يطالبوا بذلك ويسعوا إليه، ولكن دون أن يتخيل البعض أنها فرصة سانحة لإحلال الفوضي وتنفيذ أجندات خارجية وداخلية تؤدي إلي الخطر الشديد الذي حذر منه الرئيس وهو الارتداد.
كلام الرئيس لا يحمل تهديداً ولا إنذاراً، ولكنه دعوة صادقة من القلب، باعتباره رئيس الدولة الذي أقسم اليمين علي حماية أمنها واستقرارها ورعاية مصالح شعبها، وتلك هي المسئوليات الجسام التي وضعها الدستور علي كاهله.
--
رابعاً: تغيير الدستور لا يجب أن يكون مجالاً للمزايدة، ويجب أن تتوافر له عوامل الثبات والرسوخ والاستقرار، وأن يتم هضم التعديلات الدستورية الأخيرة التي شملت 35 مادة، قبل المطالبة بتعديلات جديدة، تفتح أبواب التمزق علي مصاريعها بين مختلف الأحزاب والتيارات السياسية التي تتباين رؤاها ومطالبها من أقصي اليمين إلي أقصي اليسار.
تكاد تقتصر الدعوة لتغيير الدستورعلي مواد ثلاث هي «76» و«77» و«88».. وكل الانتقادات التي تتردد اليوم هي نفسها التي قيلت أثناء إقرار هذه المواد، وتم الرد عليها وشرح الأسباب والمبررات القوية التي أدت إلي صياغتها بشكلها الحالي.
النقطة الثانية المهمة هي أن البلاد علي أبواب حزمة من الانتخابات المهمة، ولا يمكن بأي حال تعطيل الحياة السياسية والبرلمانية، والانزلاق إلي جدل بيزنطي حول تغيير الدستور قد يستمر سنوات وسنوات، ولن يؤدي في النهاية إلا إلي زيادة الصخب والضجيج ويوسع هوة التناحر والشقاق.
الذين يطالبون بتغيير الدستور لم يقرأوا الدستور، والذين يرفعون شعارات حماسية حول تعديلات دستورية، سوف يكتشفون، أن الدستور يتضمن نصوصاً عظيمة وقواعد راسخة أقوي بكثير من شعاراتهم ومطالبهم.. والأمثلة كثيرة جدا ولكن لا يتسع هذا المجال لها.
--
خامساً: الوعود الأربعة التي قطعها الرئيس علي نفسه ووعد باستكمالها هي: ترسيخ معالم الديمقراطية، وتدعيم دور البرلمان والأحزاب، وتعزيز استقلال القضاء، وحماية الدولة المدنية.
الديمقراطية لن تترسخ معالمها بالهرولة إلي الفوضي أو رفع شعارات زائفة تدغدغ مشاعر الجماهير دون أن تقدم لهم حلولاً لمشاكلهم ودون أن تطرح أية أفكار أو رؤي تبني ولا تهدم وتقود البلاد في طريق التداول السلمي للأفكار.
والأحزاب لن تقوي إلا إذا جعلت قضايا ومشاكل الجماهير هي شغلها الشاغل، ونزلت إلي الفئات المهمشة والعازفة عن ممارسة دورها الانتخابي، وإذا تحقق ذلك فسوف تصل إلي برلمان حقيقي يعكس خريطة القوي السياسية في المجتمع بشكل صادق وأمين.
ويتحقق تعزيز استقلال القضاء، بالحفاظ علي هيبته وكرامته وعدم التدخل في شئونه، ولهذا حرصت المادة «88» من الدستور علي تحقيق التوازن بين أمرين مهمين: كرامة القضاة وضمان الإشراف علي الانتخابات، وانتهت بدعة جلوس قاضٍ علي كل صندوق التي ألحقت بجموع القضاة الضرر والأذي.
الدولة المدنية التي وعد الرئيس بحمايتها هي التي تفصل الدين عن السياسة، ولا تسمح لأصحاب الشعارات الدينية أن يستثمروا مشاعر الناس في تحقيق منافع وأغراض سياسية، تضر مصلحة الوطن وتعود به إلي الوراء مئات السنين.
--
سادساً: العدل الاجتماعي والانحياز للعمال والفلاحين والطبقة المتوسطة والفقراء والكادحين من أبناء هذا الشعب.. واستخدم الرئيس لغة جادة وقاطعة وهو يؤكد لعمال مصر «سوف تجدونني دائماً إلي جانبكم، منحازاً لقضاياكم، ومتصدياً لكل من يحاول الانتقاص من حقوقكم».
خريطة العدل الاجتماعي عند الرئيس محددة المعالم:
أن تنعكس التنمية علي المواطن المصري وحياته ومستوي معيشته وأن يكون المستفيد الأول منها.
الوقوف إلي جانب الفقراء، ليس بالمعاشات والضمان الاجتماعي فقط، ولكن بمساعدتهم علي الارتقاء بأوضاعهم والخروج من دائرة الفقر.
تطوير الخدمات الصحية، إلي حين الاتفاق علي صيغة لتدبير الموارد المطلوبة لقطاع التأمين الصحي الجديد.
تصحيح الأسلوب الحالي للدعم كي يصل إلي مستحقيه، ويتيح للأسرة المصرية اختيار السلع المدعومة ويحميها من تقلبات الأسعار.
ضمان معاش لمن لا معاش له وسوف يستفيد من ذلك ملايين الأسر المصرية غير المشمولة بنظام التأمين الحالي.
هذه هي الالتزامات التي تعهد الرئيس بالحفاظ عليها وتحقيق التلازم بين النمو الاقتصادي والعدل الاجتماعي ودعم المستويات المعيشية للفئات الأولي بالرعاية وإخراجها من دائرة الفقر.
--
سابعاً: الاقتصاد المصري علي أعتاب انطلاقة جديدة، وخلال ال 12 شهراً القادمة، سوف يتم تشغيل 200 مصنع جديد و12 منطقة صناعية و7 مناطق تجارية، بجانب حزمة جديدة من الحوافز لجذب استثمارات القطاع الخاص، وستنفق الدولة 8 مليارات جنيه في مشروعات الخدمات والإنتاج والبنية الأساسية.
كانت مصر علي وشك تحقيق طفرة اقتصادية غير مسبوقة في تاريخها لتدخل في عداد الدول الأكثر نمواً في العالم، وحققت معدلات تراكمية وصلت إلي7% سنوياً لولا الأزمة الاقتصادية الأخيرة التي هبطت بمعدلات التنمية في كل دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة وأوروبا إلي تحت الصفر، إلا ثلاث دول فقط تحقق معدلات إيجابية للنمو هي مصر والصين والهند.
الانطلاقة الجديدة التي أطلق الرئيس شرارتها في عيد العمال سوف تساهم في توفير مليون فرصة عمل سنوياً، وستقفز بحجم الصادرات المصرية إلي 200 مليار جنيه خلال السنوات الأربع المقبلة.. ورغم ذلك فلم يعتبر الرئيس ذلك كافياً، إلا إذا تحقق البعد الاجتماعي للتنمية الذي يتيح للجميع قطف ثمارها والشعور بنتائجها.
--
ثامناً: توفير الضمانات القانونية للحفاظ علي حقوق العاملين، وتكون الأولوية لسداد مستحقاتهم المالية دون مماطلة أو إبطاء، وتلك هي أهم مشاكل الخصخصة التي طلب الرئيس علاج آثارها السلبية ومراجعة القوانين الحاكمة بين العمال وأصحاب الأعمال، بما يحقق عدالة وتوازن هذه العلاقة.
تكليف الرئيس للحكومة في هذا المجال، سوف يقضي علي المشاكل التي لحقت ببعض العاملين في شركات قطاع الأعمال، ويحقق في نفس الوقت قدرة هذه الشركات علي التجديد والمنافسة، وتقليص خسائرها والتخلص من مديونياتها.. وهي أوضاع متراكمة منذ الستينيات تحتاج مشرط جراح ماهر ودقيق للتخلص من الأورام والأوجاع التي لحقت بها.
لا ينكر أحد أن شركات القطاع العام لعبت دوراً مهماً في الاقتصاد المصري عند إنشائها، وتحملت أعباء الحروب والخسائر الاقتصادية والاجتماعية، ولم تمتد لها يد الإصلاح والتحديث والتطوير، مما أدي إلي تراكم خسائرها وخروجها من سوق المنافسة، ولم يكن ممكناً علاج سلبياتها وتراكماتها الطويلة دون حدوث آثار جانبية، تحاول الحكومة تلافيها بقدر المستطاع.
--
تاسعاً: علاج جذري وحاسم لمشكلة الأجور، فأي زيادة غير واقعية في الأجور، لا تعكس مستوي الإنتاجية، ستؤدي إلي زيادة البطالة وانفلات التضخم وتراجع القدرات التنافسية.. تماماً مثل الأواني المستطرقة التي «تسّمع» هنا وهناك.
الطريق الحقيقي لزيادة الأجور هو رفع كفاءة العاملين ومستوي إنتاجيتهم، وخصصت الدولة نصف مليار جنيه لإعادة تدريب وتأهيل العاملين بالقطاعين العام والخاص.
يرتبط بذلك زيادة المعاشات للحفاظ علي المستويات المعيشية لمن يتقاعدون بعد سنوات طويلة من العمل، وسوف يؤدي مشروع القانون الذي يدخل مجلس الشعب في غضون ساعات إلي زيادة معاشات 7,2 مليون مواطن، وتزداد بنسب 300% لأدني معاش يصرف اليوم.
ولاستكمال المنظومة فسوف يتم صرف إعانة بطالة وتبسيط شروطها للفئات التي لا تشملها مظلة التأمينات الحالية، حتي لا يكون علي أرض مصر مواطن واحد ليس له دخل يحقق له حداً أدني من مستوي الحياة الكريمة.
--
هذه هي قراءة في الخطوط العريضة لخطاب الرئيس في عيد العمال، وهي تعتبر برنامجاً جديداً محدد المعالم والخطوات والتفاصيل، كهدية للعمال في عيدهم.. وأهم من كل ذلك أن الرئيس دفع في عروق المصريين دماءً جديدة من الحيوية والحماس والإصرار والعزيمة، علي المضي قدماً للمستقبل، دون الارتداد إلي الوراء.. نحو انطلاقة جديدة ونمو جديد.
«لانتردد، لا نهتز، لا نتزعزع».. تلك هي الرسالة المهمة التي يدور في فلكها برنامج الرئيس.


كرم جبر