
رشاد كامل
إنها حقًا أصوات غير مسموعة!
لا جديد تحت شمس الفن عامة والغناء خاصة! فما يقال اليوم عن سوء حال الغناء خاصة ما يطلقون عليه مهرجانات من سوء الكلمات وقبحها إلى فجاجة معانيها سبق أن قيل قبل ذلك.. نفس الزيطة والزمبليطة وسرادقات الكلام التى أقيمت فى برامج الفضائيات ليس جديدا علينا.. ومنذ خمسين عاما بالضبط صدر للكاتب الكبير «أنيس منصور» كتابه «يوم بيوم» «أغسطس سنة 1970»، وفى أحد مقالاته بعنوان «أصوات غير مسموعة» كتب: «كم عدد الأصوات الغنائية التى عندنا؟! إنها فى مثل عدد أغنام جحا، عددها معروف وهى أصوات متشابهة ومعنى ذلك أنها متقاربة أى قليلة، لذلك «يشمشم» الناس على الصوت الجديد، أى صوت وربما كان هذا سر الاهتمام بمطرب مثل «فهد بلان» إنه صوت قوى مختلف سليم: مرح الأعطاف حلو اللفتات! ولا تستطيع المعاهد الفنية أن تخلق الأصوات وإنما فى استطاعتها أن تدرب الأصوات وتثقفها إذا اكتشفتها والذى تستطيعه هذه المعاهد ما يزال قليلًا. وينتهز أنيس منصور مناسبة الكلام عن الأصوات الغنائية إلى أصوات المذيعين والمذيعات فيقول: «شاركت اللجنة التى تمتحن أصوات المذيعين والمذيعات من خريجى الجامعات، والنتيجة قطعا سيئة ومحزنة، السبب ليس معروفًا فلا يوجد صوت مسموع ولا يوجد نطق عربى سليم، ولا دراية بمبادئ النحو والصرف، وأسوأ من هذا كله: إن معظم الفتيات لا يعرفن كيف ينطقن حرف القاف!! وليس حرف القاف وحده، وإنما القاف وأخواتها مثل الطاء والظاء والثاء والدال واللام والسين! وإذا أفلحت واحدة أو واحد فى نطق الحروف نطقا واضحا فإن الكلمات تكون قد التوت فى الحلق وداخت بين اللسان والأسنان حتى تخرج فى النهاية جثة هامدة يشيعها الميكرفون إلى الآذان! لماذا لأن تدريس اللغة العربية ليس صحيحًا، لأن المطالعة الصحيحة ليست من العلوم الأساسية، لأن حفظ القرآن - القرآن بالذات وهذا أحسن نموذج للغة والقراءة السليمة، ليس إجباريًا، ولا توجد هناك عناية واضحة بحفظ الشعر، ليس بحفظ الشعر فقط بل بإلقاء الشعر. وقد يتبادر إلى الذهن أن الطلبة الذين يتخرجون فى أقسام اللغات الأوروبية يحسنون نطقها، ولذلك ينصرفون عن اللغة العربية إلى اللغات الأخرى، حتى هذا ليس واضحا فإن معظم الذين تقدموا للإذاعة الأوروبية لا يعرفون النطق الصحيح، والأسباب متشابهة فى جميع الحالات: لا عناية بالنطق السليم، وتدريب الصوت على النماذج السليمة فى النطق وإخراج الكلمات وتوزيع إخراجها من الحلق أو من الأنف أو من بين الأسنان! ولكن الذى سمعناه بصراحة كان نوعا من «قرطسة» الأصوات.. أى لفها فى قرطاس لب ثم رميها على آذان الناس». وهناك - ولا شك - عدد آخر للطلبة والمستمعين جميعا هو أن معظمهم - معظم أصوات المذيعين فى الإذاعة رديئة وركيكة ومهلهلة وهى ولا شك نماذج سيئة تشجع أى إنسان على أن يذهب إلى الإذاعة ويدخل إلى الاستديو ويتكلم على الهواء ويقول بملء فيه: اشمعنى؟! ومن أربعين صوتا لم تسترح الآذن إلا إلى صوتين أو ثلاثة! انتهت ملاحظات الأستاذ «أنيس منصور» منذ نصف قرن، وأظن أن نفس الملاحظات قائمة وستظل قائمة إلى أن يكون شعارنا: الكفاءة والموهبة قبل الواسطة والمحسوبية!