
أ.د. رضا عوض
محمد بن القاسم الثقفى
فى ظل الحديث عن الشباب وضرورة تمكينهم ومنحهم الفرص الكاملة فى الإسهام فى مستقبل الوطن نستلهم الدروس والعبر من تاريخنا الإسلامى الحافل بمهارات قيادية شابة غيرت مجرى التاريخ. ومن أبرز تلك النماذج القائد المسلم الشاب محمد بن القاسم الثقفى قائد معركة فتح بلاد السند (باكستان الآن) وفى عهد الخلفاء الراشدين كانت بلاد السند هدفا لحركة الفتح الإسلامى فى ظل خلافة عمر بن الخطاب وعثمان بن عفان وعلى بن ابى طالب ’فأرسلوا الجيوش التى حققت بعض الانتصارات، وفى خلافة معاوية بن أبى سفيان دخل الجزء الغربى للبنجاب فى دولة الإسلام.
فلما تولى الحجاج بن يوسف الثقفى السلطة جعل من أولوياته فتح باقى بلاد السند والهند ووضعها تحت لواء الإسلام وأيقن انه لن يتم ذلك إلا بوجود جيش قوى وقائد ملهم متميز لكى يهزم جيوش السند القوية بقيادة قائدهم الكبير والقوى (داهر) فوقع اختياره على اصغر قائد فى تاريخ العسكرية هو محمد بن القاسم الثقفى وعمره لم يتجاوز السابعة عشرة وكان ذلك عام89 هجرية. وعندما تولى محمد بن القاسم الثقفى قيادة الجيش المتجه إلى بلاد السند اشترط على الحجاج بن يوسف الثقفى عدة شروط تبرهن على مدى الكفاءة القيادية والقتالية لهذا القائد الشاب وهي: أن يكون الجيش كامل التجهيز والإعداد والمؤن حتى لا تتوقف مسيرة الفتح، فأمده الحجاج بجيش يقدر بسته آلاف مقاتل مجهزين بكل شيء. وان يرافق الجيش أسطول بحرى ليكون الهجوم مزدوجا وفى اتجاهين ووافق الحجاج، وان يواصل الجهاد والسير حتى ينتهى من فتح بلاد السند بأكملها ووافق الحجاج.
تقدم محمد بن القاسم الثقفى إلى بلاد السند فتحرك قاصدا الحصن الحصين لجيوش (داهر) قائد السند وهى مدينة الدبيل فحاصرها يوم جمعة ووافاه الأسطول بآلات الحصار ومنها المنجنيق الكبير».
واستمات الهندوس فى الدفاع عن مدينتهم ولكنه اقتحم المدينة.
المدينة وفتحها بعد معركة طاحنة، ثم واصل محمد ابن القاسم الثقفى سيره واستطاع أن يبهر الهندوس بشخصيته القوية الحازمة وقد تعجبوا من شجاعته وحسن قيادته لجيش كبير وهو ما دون الثامنة عشرة، وبالفعل اسلم عدد كبير من بدو الهنود وانضم منهم أربعة آلاف رجل يقاتلون مع محمد ابن القاسم الثقفى مما كان له اثر كبير فى القتال لخبرتهم بالبلاد ومعرفتهم بلغة الهنود. كانت الأخبار قد وصلت إلى ملك الهند داهر فاستعد للقاء الجيش الإسلامى بجيوش كبيرة مع سلاح المدرعات الشهير فى ذلك وهم الفيلة فاستخف بالمسلمين لقلتهم لكنه فوجئ بالإعصار الإسلامى يعبر نهر مهران الفاصل بينه وبين المسلمين ووجد داهر الذى كان على ظهر فيل كبير نفسه وجها لوجه مع محمد بن القاسم الثقفى وجنوده ويقتتل الفريقان قتالا مهولا ويرى داهر جنوده صرعى من حوله فنزل من على ظهر فيله ويقاتل بنفسه حتى يأتيه قدره ويقتله المسلمون. وبعد أن نجح محمد بن القاسم الثقفى فى القضاء على ملك السند داهر برز له ملك آخر كان بمثابة الساعد الأيمن لداهر واسمه (دوهر) وكان ملكا على إقليم الكرج وهى أقصى بلاد السند على حدود بلاد الهند فاستعد دوهر للقاء المسلمين، ولكنه هزم وقتل كما قتل داهر.
وفى هذه الفترة مات الحجاج بن يوسف الثقفى والى العراق الشهير وابن عم محمد بن القاسم الثقفى ولكن هذا لم يرد عزم القائد محمد بن القاسم عن مواصلة الفتح حتى أصبح الطريق مفتوحا إلى بلاد الهند وبالفعل بدأ محمد بن القاسم الثقفى فى فتح مدن الهند ففتح مدينة سرست فدخل أهلها فى طاعة المسلمين وكان بحارة مهرة استفاد منهم المسلمون وبذلك تم فتح بلاد السند بواسطة اصغر قائد فى التاريخ العسكرى محمد بن القاسم الثقفى الذى يعتبر قائدا متميزا فى التاريخ العسكرى على مدى العصور حيث قاد اكبر المعارك الحربية وعمره لم يتجاوز العشرين عاما، وكان ذلك فى شهر رمضان المبارك عام89 هجريا.