
أ.د. رضا عوض
الرحالة «ابن بطوطة» ووصفه مصر
هو شمس الدين أبو عبدالله بن محمد بن إبراهيم اللواتى الشهير بـ (ابن بطوطة)
ولد عام 1304م فى طنجة بالمغرب، رحالة ومؤرخ وقاض وفقيه عربى مغربى لقب بأمير الرحالين المسلمين، فقد قام بزيارة العديد من البلدان حيث تعرف على ثقافات متنوعة وعادات وتقاليد مختلفة، وقام بتسجيل ما رآه فيها بدقة فى كتاب شهير هو «رحلات ابن بطوطة» وأصبح هذا الكتاب بعد ذلك مرجعا ودليلا لكثير من المهتمين بالاطلاع على كل ما يتعلق بثقافات هذه البلاد.
كان أبوه فقيها بالقضاء وكان يعد ولده ليكون خلفا له، لذلك درس ابن بطوطة العلوم الدينية والأدب والشعر لكنه لم يتم دراسة الفقه بسبب رغبته فى السفر والترحال.
عشق ابن بطوطة السفر منذ الصغر وما حببه به أكثر الكتب التى تداولها العرب التى يوجد بها العديد من أخبار البلدان ومعالمها مثل كتاب «المسالك والممالك» لابن خرداذبة، و«مسالك الممالك» للاصطخرى التى تتناول البلدان من الناحية التاريخية والجغرافية وعلى الرغم من الأخطار والأهوال التى عرف ابن بطوطة أنه سوف يتعرض لها أثناء رحلته خاصة انه سوف يتوجه إلى بلاد غريبة وسوف يدخلها لأول مرة فإن هذا لم يثن من عزيمته فقرر عام 1325م وهو ابن 21 عاما أن يخرج لأداء فريضة الحج وأن يتعلم المزيد عن ممارسة الشريعة فى أنحاء بلاد العرب
لم يخرج ابن بطوطة مع قافلة الحج بل خرج مع قوم لا يعرفهم ولم يستقر مع جماعة منهم، فأخذ ينتقل من مركب إلى آخر ومن قافلة إلى أخرى وكان اهتمامه برؤية أصناف الناس والغرائب التى يصنعونها هو شغله الشاغل، وكان مما لاحظه ابن بطوطة أن أصحاب كل حرفة ينزلون ضيوفا على أصحاب نفس الحرفة فى البلاد الأخري، القاضى ينزل على القاضي، والفقيه ينزل على الفقيه، لذلك فقد فرح ابن بطوطة عندما قدمه الناس على أنه من القضاة، ومنذ ذلك الحين أصبح ينزل على القضاة والفقهاء فى كل بلد يذهب إليه.
قام ابن بطوطة بثلاث رحلات خلال حياته تعرض فيها للعديد من الأحداث الشيقة والخطيرة. وتولى القضاء فى «دلهي» على المذهب المالكي، ولما أراد السلطان محمد شاه أن يرسل وفدا إلى ملك الصين خرج ابن بطوطة فيه وفى عودته مر بجزيرة «سرنديب» والهند والصين، ثم عاد إلى بلاد العرب عن طريق سومطرة عام 1347م فزار بلاد العجم والعراق وسوريا وفلسطين
ومنها إلى مكة فحج إلى بيت الله ثم رأى أن يعود إلى وطنه فمر بمصر وتونس والجزائر ومراكش فوصل فاس عام 1349م. بعد أن أقام فى فاس فترة قصيرة قرر السفر إلى بلاد الأندلس فى رحلته الثانية فمر فى طريقه بـ«طنجة» وجبل طارق وغرناطة ثم عاد إلى فاس، وفى عام 1352م كانت رحلته الثالثة إلى بلاد السودان، ثم مالى وكثير من بلاد إفريقيا ثم رجع إلى فاس عام 1354م.
وعندما زار ابن بطوطة عاصمة مصر كتب فى مذكراته عن العاصمة المصرية «أم البلاد وقرارة فرعون ذى الأوتاد، ذات الأقاليم العريضة، والبلد الأريضة المتناهية فى كثرة العمارة، المتناهية بالحسن والنضارة. تموج موج البحر بسكانها. شبابها يجد على طول العهد، وكوكب تعديلها لا يبرح عن منزل السعد.
قهرت قاهرتها الأمم وتمكنت ملوكها نواصى العرب والعجم. لها خصوصية النيل الذى أجل خطرها وأغناها عن أن يستمد القطر قطرها. وأرضها مسيرة شهر لمجد السير، كريمة التربة مؤنسة لذى الغربة» ولاحظ ابن بطوطة أن القاهرة فيها أعداد كبيرة من المدارس فقال عنها «لا يحيط أحد بحصرها لكثرتها»، ووصف ابن بطوطة أن مصر العاصمة كان فيها اثنا عشر ألف سقا على الجمال، وثلاثون ألف سقا على الأرض، وفى نيلها ستة وثلاثون ألف مركب ما بين الصعيد والإسكندرية ودمياط محملة بأنواع الخيرات.
ثم وصف المستشفى الناصرى الضخم الذى بناه السلطان المنصور قلاوون عام 1283م فيقول:
«كان مزودا بقاعات محاضرات لتعليم الطب ومعامل للأدوية وعيادات لعلاج الأمراض المختلفة وأماكن للإقامة على أرقى نظم، وكل ذلك كان مجانا وعلى حساب الدولة».
بعد عودته إلى الوطن نهائيا اتصل ابن بطوطة بالسلطان أبى عنان المريني، وأقام فى حاشيته يحدث الناس بما رآه من عجائب الأسفار، ولما علم السلطان بأمره وما ينقله من طرائف الأخبار عن البلاد التى زارها، أمر كاتبه الوزير محمد بن جزى الكلبى أن يكتب ما يمليه عليه الشيخ ابن بطوطة فانتهى من كتابتها عام 1356م وسماها «تحفة النظار فى غرائب الأمصار وعجائب الأسفار».
وقد ظلت رحلات ابن بطوطة موضع تقدير كثير من العلماء والباحثين فترة طويلة ويعد أول من كتب شيئا عن استعمال ورق النقد فى الصين وعن استخدام الفحم الحجري، وترجمت مذكراته إلى اللغة الانجليزية والفرنسية والألمانية والتركية.
وأخيرا ومن خلال رحلات ابن بطوطة ووصفه للعالم العربى يظهر مدى ترابط الأمة العربية وقوة وحدتها وروح المحبة بين أهلها، حيث انه خرج لرحلته الطويلة بمال قليل لكن ترابط الأمة العربية وتآخيها عمل على معاونته فى رحلته وإمداده بما يريد، ومن يزر المغرب اليوم سيجد بمدينة طنجة دربا اسمه درب ابن بطوطة. حيث كان يعيش وسيجد بالقرب من سوق طنجة ضريحه الذى دفن فيه عام 1378م.