الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«لغة الجينات» 4

«لغة الجينات» 4

الحياة خيارات.. ومع كل اختيار ممكن نتعرف على أنفسنا أكثر وأكثر.. الخيارات فى الظاهر بيتحكم  فيها التربية.. البيئة.. المكان اللى أنت عايش فيه.. دراستك.. الناس اللى بتتعامل معاها... لكن فى الباطن «الجينات» هى اللى بتتحكم فى كل خياراتك.. الجينات هى الهوية الحقيقية اللى بتدفعك تختار حاجة معينة وتبعد عن حاجة تانية.



فيه ناس بتختار تفضل على موقفها مهما كانت الخسائر .. بترفض تبقى «إمعة»..مابتقدرش تنافق أو تطبل..  فى الظاهر ممكن تشوف  موقفهم  ده «دماغ ناشفة» أو»سوء تقدير للمواقف» لكن فى الباطن الناس دى بتكون  جيناتها الأصيلة هى اللى بتتحكم فيها.. بتتحكم حتى فى الخيارات اللى ممكن تخسرهم فلوس كتير .. لكن بتكسبهم  أنفسهم .

وفيه ناس دايما ماسكين العصا من النص.. مالهمش رأى ولا موقف واضح... منتظرين يشوفوا مين اللى هيكسب.. الناس دى فى الظاهر ممكن تقول عليهم «فهلوية».. بيمشوا أمورهم.. لكن فى الباطن  جيناتهم الرديئة هى اللى بتحركهم  .. دايما بيبحثوا عن «سيد» يكونوا عبيدا عنده .

من الناس اللى جيناتهم الأصيلة اتحكمت فيهم وفى خياراتهم طول عمرهم الفنان أحمد مظهر .. من البداية للنهاية ظلت جيناته تتحكم فى خياراته .. فى الظاهر، قرر دخول كلية التجارة لكنها لم ترض طموحه فقرر الالتحاق بكلية الطب البيطرى ولكن سرعان ما تركها ففى الباطن كانت جيناته الأصيلة تدفعه نحو حياة جادة تتناسب مع شخصيته  فقررالالتحاق بالكلية الحربية.

«أحمد مظهر» ظلت خياراته  فى الظاهر محيرة لكل من حوله.. لكنها فى الباطن كانت بتقدم لنا شخصيته الحقيقية وبتعرفنا على جيناته الأصيلة.

«فى الظاهر» كان ممكن يمشى أموره مع المشير عبدالحكيم عامر دفعته فى الكلية وزميله فى تنظيم الضباط الأحرار.. لكن فى الباطن اتحكمت فيه جيناته ورفض الانصياع لأوامره وتحكمه فيه ورفضه أنه يمثل فى فيلم «رد قلبى».. فقرر الاستقالة من الجيش والتفرغ للفن.

«فى الظاهر» كان ممكن يجامل  ويطبل  لفنانة كبيرة بحجم سعاد حسنى ويوافق ببساطة أن  اسمها يكون قبل اسمه على أفيش الأفلام .. لكن فى الباطن نفس الجينات الأصيلة دفعته وهو فى قمة مجده الفنى  يرفض ويعلن الاعتزال وافتتاح ورشة لتصليح السيارات.!

«فى الظاهر»  كان فنانا ممكن يستغل شهرته وتاريخه النضالى وعلاقته برجال ثورة يوليو التى شارك فيها وأنه كان مقربا من جمال عبدالناصر ويضغط  بأى شكل لتعديل رسومات طريق المحور والذى استقطع نصف الحديقة الخاصة بفيللته والتى يزرعها بنباتات نادرة .. لكن فى الباطن  جينات  أحمد مظهر وفروسيته  دفعته إلى اللجوء  لجمهوره وليس لأهل السلطة ..وظهر  على شاشة التليفزيون، تكسوه معالم الشيخوخة، ممسكا بعصاه، منحنيا فى جلسته، وبكى بسبب الاعتداء على  حديقة فيللته التى تحوى مجموعة من أندر النباتات والأشجار، والتى دهسها  «البلدوزر»، تمهيدًا لإنشاء طريق المحور الذى كان يمر بجوار الفيللا، ولأن تلك الحديقة كانت كل حياته، لم يتحمل مظهر حدوث ذلك فسالت دموعه بحرقة على الشاشة.

«أحمد مظهر» لم يتاجر بنضاله.. وظلت جيناته الأصيلة تتحكم فى  خياراته لآخر يوم فى عمره.. حتى عندما قررت الدولة تعويضه  بمبلغ مالى كبير جدا  عن نصف الحديقة.. منعته جيناته الأصيلة من قبول التعويض.. رفض التعويض بإصرار شديد، وقال :«الأشجار النادرة التى تم اقتلاعها لا تعوض بمال، ثم إن الفيللا نفسها تشوهت لأنها أصبحت بحديقة صغيرة».

ألم أقل لكم إن الحياة خيارات وليست ظروفا.. وأن فى دواخلنا هناك شىء يترعرع يساعد بشكل كبير فى تشكيل ما يمكن أن نفكّر به ونتمناه، وما نحبه وما نكرهه.

ألم أقل إن الجينات الأصيلة قد تدفع البعض للسباحة عكس التيار.. واتخاذ مواقف تبدو للبعض غريبة.. مواقف تدعو للتساؤل لماذا لا يتنازلون عن مواقفهم .. لماذا يفضلون خسارة أموال طائلة على أن يقفوا فى صفوف المطبلين والمهللين ومدمنى البحث عن سيد يكونوا له عبيدا.

ألم أقل لكم إن الحياة خيارات وكلنا بندفع ثمن اختياراتنا فى النهاية... هناك من يختار الخلود فى قلب أحبته وهناك من يختار الفناء وهو حى يرزق . ألم أقل لكم إن خيارات الحياة ..مدهشة وساحرة .