الجمعة 12 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
لغة الجينات 5

لغة الجينات 5

فيه حاجة اسمها «جينات غباء الثقة العمياء».. غباء الثقة العمياء دى فى الظاهر بتكون توافق فى الآراء بين مجموعة وأحد الأشخاص.. لكن فى الباطن هى تطبيل واضح من المجموعة دى والإيحاء لشخص ما بأنه ملهم وما بيغلطش لأن لها مصالح وأهداف تانية.. الجينات دى بتخليك  فى الظاهر تدور دايما على أهل الثقة.. مابتشوفش غيرهم.. كل من ليس معك هو عدوك.. لا تطيق رأيا غير رأى أهل الثقة وفى الغالب بيكذبوا علشان يرضوك.. وفى الباطن بتخليك تبعد الكفاءات ومن لهم آراء إصلاحية .



«الثقة العمياء» دى ممكن تؤدى لكوارث.. زعيم أحد عصابات المافيا اختار محاسبا أصما للعمل معه.. كل مؤهلاته أنه لا يسمع.. لا يتكلم.. «جينات غباء الثقة العمياء» صورت لزعيم المافيا فى الظاهر  أنه سيكون فى أمان.. لكن فى الباطن كان المحاسب خطرا جدا .. اختلس 10 ملايين جنيه .. حاول زعيم المافيا يعرف المحاسب الأصم أخفى الفلوس فين ما اقدرش.. استعان بخبير فى لغة الإشارة ..وهدد المحاسب بالقتل.. المحاسب خاف واعترف بمكان الفلوس .. خبير الإشارة فى الظاهر  ترجم لزعيم المافيا أنه بيقول إنه اختلس الفلوس ومش هيرجعها وأن زعيم المافيا جبان ولص .. الراجل اتجنن وقتل المحاسب..  وفى الباطن انتهى الموضوع بأن المترجم فاز بالفلوس لنفس السبب «جينات غباء الثقة العمياء... فزعيم المافيا من جديد وقع فى نفس الخطأ مع خبير الإشارة.

«غباء الثقة العمياء» عانت منها بشدة الفنانة محسنة توفيق .. فى الظاهر كانت  «واحدة من مجانين السينما»..وفى الباطن جيناتها الأصيلة دفعتها دايما لاتخاذ مواقف سياسية واضحة حتى لو خسرت فلوس وأدوارا مهمة.

«محسنة توفيق» فى الظاهر كانت منضمة لليسار المصرى.. وفى الباطن لم تتردد لحظة فى مهاجمة جمال عبدالناصر ورجال الثورة .

فى الظاهر  جمال عبدالناصر نفسه منحها وسام العلوم والفنون.. وفى الباطن وافق على دخولها السجن مع مجموعة كبيرة من الفنانين والمثقفين بسببب آرائهم السياسية وانتقاداتهم لرجال ثورة يوليو.

فى الظاهر ظلت محسنة توفيق ممثلة موهوبة وليست هناك أى محاذير للاستعانة بها فى أى أدوار.. وفى الباطن كانت الأدوار تذهب إلى الأقل منها موهبة.. فالتعليمات واضحة بعدم إسناد أى دور لها.. لتظل  فى بيتها لسنوات طويلة تعانى من البطالة وتدفع ثمن جيناتها الأصلية ومواقفها التى تفرضها عليها فطرتها السليمة .

فى الظاهر أبواب الفن كانت مفتوحة لمحسنة توفيق بعد نهاية عصر عبدالناصر وبدء عهد الرئيس السادات .. لكن فى الباطن كان موقفها من معاهدة السلام ومشاركتها فى المظاهرات الرافضة لكامب ديفيد كافية لاستمرار نفس القرار غير المعلن بعدم إسناد أى دور لها .

«محسنة توفيق» فى الظاهر وبشجاعة أعلنت رفضها لزيارة القدس المحتلة (1977) واتفاقية كامب ديفيد (1978)، وأعلنت وقتها فى تصريح شهير، أنها «لطمت على وجهها»، وكان نتيجة ذلك فى الباطن  صدور «تعليمات سرية» بعدم ترشيحها لأعمال «بلاش محسنة توفيق تمثل»، ورئيس التليفزيون بنفسه وكان زوج شقيقتها «تماضر توفيق» هو من أبلغها بالقرار السرى، وطلب منها تغير مواقفها السياسية لتعود للعمل والفن الذى تعشقه، لكنها ببساطة  رفضت ..وفضلت البقاء فى البيت بلا عمل.

فى الظاهر تبدو محسنة توفيق ضعيفة رقيقة  تحمل ملامح سيدة مصرية بسيطة ممكن تقابلها فى أى مكان.. وفى الباطن ظلت قوية لا تعرف  «مسك العصا» من المنتصف، لها  موقف وطنى صارم وحاد، لا تخشى الدخول فى أى معارك للدفاع عن أفكارها مهما كانت العواقب، تتعامل  بفطرتها  وجيناتها الأصلية  حتى لو تعرضت للسجن والاعتقال.

فى الظاهر بدت مستسلمة ..وفى الباطن كانت تستعد دائما لتعود  للوقوف على خشبة المسرح أو أمام كاميرا الفيديو والسينما، وتقول  لمن يحاربها.. سأبقى وسأعود أقوى.

«محسنة توفيق» ظلت طوال عمرها تعانى من «غباء الثقة العمياء.. تعانى من الخطأ الفادح المتكرر.. أهل الثقة العمياء بدلا من أهل الخبرة والكفاءة.. أهل الخبرة حتى وإن اختلفوا معك فى الأفكار والآراء لن يضروك.. فليس كل من يخالفك الرأى عدوك.. فمن الخطأ أن تضع ثقتك كلها فى شخص ما لأنه عندما تكتشف أن ثقتك لم تكن فى محلها سيكون السقوط مدويا.. والخسارة فادحة.