
محمد صلاح
«بيزنس بلازما المتعافين»
ما من وباء إلا وله ضحايا يتساقطون فى معركة البقاء على قيد الحياة.. وخونة يتحالفون مع الشيطان، ويتاجرون بآلام وآمال المرضى الباحثين عن استنشاق الأوكسجين «طبيعى أو صناعى»، أو «ترياق» يخفف الآلام ويضع حدا للفيروس اللعين الذى ينشر الموت فى كل مكان.
أثرياء الوباء لا يختلفون كثيرا عن أثرياء الحروب، كل منهم عدو خفى يهدد أمن واستقرار الوطن، فقدوا حسهم الوطنى والدينى والأخلاقى، قلوبهم قاسية، لا تعرف معانى الرحمة والإنسانية، أغشاها الأنانية وحب المال، والتربح من المرض والموت والخراب والدمار، زين لهم الشيطان أعمالهم.. تصرفات «خونة الأوطان»، أثبتت بما لا يدع مجالا للشك أن الفيروس اللعين بجانب هؤلاء، مجرد كائن أليف يمكن ترويضه والتعايش معه.
للأسف الشديد، فيروس كورونا كشف أسوأ ما فى المصريين، فأعداء الوطن يحرمون المرضى من الحق فى الحياة، باحتكار السلع الغذائية والمستلزمات الطبية وحجب الأدوية وبيعها بأسعار خيالية، وأخيرا انتشار «بيزنس بلازما المتعافين» لعلاج المصابين من كورونا.
نعم، من آمن العقاب، لا يكفيه إساءة الأدب، بل تتمادى جرائمه إلى نهب وتدمير الأوطان، والتلاعب بصحة المواطنين الأبرياء، فالمستشفيات الخاصة تنصلت من مسئولياتها الوطنية والأخلاقية فى اللحظات الصعبة التى يمر بها الوطن، ولم يتغير نهجها فى ابتزاز المرضى، والتعامل معهم باعتبارهم صيدا ثمينا.
فيروس كورونا، فضح تبجح أصحاب المستشفيات الخاصة، التى سمحت الدولة بإنشائها قبل 45 عاما لتوفير خدمة طبية مميزة، وتخفيف العبء عن المستشفيات الحكومية، حتى صارت تستحوذ الآن على 80% من الخدمات الطبية، ولكن للأسف لا تعالج إلا الأغنياء، فقد بلغ سعر تحليل مسحة فيروس كورونا 20 ألف جنيه، كما ارتفعت تكلفة العلاج إلى 400 ألف جنيه.
مستشفيات الجامعات الخاصة أيضا غابت عن المشهد، وتلاعبت بحياة المرضى، ورفضت استقبالهم، ما دفعهم للوقوع فريسة لابتزاز المستشفيات الخاصة، فى ظل عدم قدرة المستشفيات الحكومية على استيعاب جميع مرضى فيروس كورونا. لسنا أقل من اليابان وإسبانيا، التى أخضعت مستشفياتها الخاصة تحت إمرة الحكومة، ولا بديل أمام الحكومة الآن إلا تشكيل لجنة لإدارة تلك المستشفيات بكامل أطقمها الطبية وطاقتها التشغيلية ملثما حدث مع مستشفيات جماعة الإخوان الإرهابية لتقديم خدمات الرعاية الصحية اللازمة لحين انحصار الوباء أو القضاء على الفيروس.
حال الطب فى مصر لن ينصلح إلا بإعداد منظومة صحية ملزمة للجميع، تحدد حقوق المرضى، وواجبات المنشآت الصحية التى تقدم الخدمات الطبية، وأن تتوقف المستشفيات الخاصة عن عمليات الابتزاز، ووضع حد للمافيا الذين يتاجرون بآلام المرضى.
وحتى لا تتفاقم أزمة «بيزنس بلازما المتعافين»، يقع على عاتق الدولة وضع ضوابط للقضاء على المافيا الذين يتلاعبون بآلام وآمال المرضى، بأن يتم إلزام المريض التوقيع على إقرار فور دخوله المستشفيات الحكومية أو الخاصة، بالتبرع بالدم مركزيا من خلال بنوك الدم بعد 14 يوما من آخر مسحة سلبية، أو أن تشكل وزارة الصحة فرقا طبية بالمرور على المتعافين فى منازلهم للتبرع بالدم، حتى لا يسقط المرضى ضحية للمستشفيات والمعامل الفاسدة، بعدما ارتفع سعر التبرع بالبلازما إلى 25 ألف جنيه.