الأحد 2 يونيو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
«كورونا».. فيروس العلاقات الإنسانية!

«كورونا».. فيروس العلاقات الإنسانية!

فيروس لم يصب الأجساد فقط، بل أصاب العمود الفقرى للعلاقات الإنسانية، ظن البعض أنه جاء ليشن حربًا على الأجهزة المناعية، لكنه فى الحقيقة جاء ليشن حربًا على ما ترسخ لدى البشرية على مر العصور من موروثات أصيلة عن طبيعة العلاقات الإنسانية. 



 

فعلى مر العصور ومنذ بداية الخليقة، جاء (التقارب الجسدي) بمختلف صوره سواء بين الأم وأبنائها أو بين الأصدقاء أو الأخوة أو المحبين كأحد أنماط التقارب الاجتماعى الهامة والأساسية فى العلاقات تعبيرًا عن الحميمية والحب والمودة والاحتواء.  فقد خلق  الله «عز وجل» النفس البشرية بتكوينها الفسيولوجى والسيكيولوجى بحاجة إلى (التقارب الجسدى) للشعور بالطمأنينة والحب وتدعيم  الاستقرار والسواء النفسى والذى بدوره يقلل من حدة الضغوط الحياتية التى يتعرض لها الإنسان خلال يومه. 

 

والجدير بالذكر أننا نجد أن جميع الدراسات التى هدفت لدراسة النفس البشرية،  قد ركزت على أن الحميمية الجسدية لها فوائد صحية،  فالعناق أو الملامسة يؤدى لزيادة إفراز هرمون الدوبامين والأوكسيتوسين والسيروتونين كما يؤدى إلى انخفاض فى هرمونات التوتر والقلق،  مما يؤكد على تأثير هذا النمط التفاعلى فى استقرار النفس البشرية وتنمية العلاقات الإنسانية. 

 

ولكن ماذا بعد كورونا؟!.. ونحن نجد مفهومًا جديدًا قد طرأ على العلاقات الإنسانية وهو (التباعد الاجتماعى)، ليضع مسافة فاصلة بين البشر كأسلوب حياة يومى للتعايش والتعامل.. فنجد تلامس الأيدى والعناق والتقبيل عادات تحولت من كونها مصدرًا لبث الطمأنينة والحب إلى مصدرًا لبث القلق والخوف من العدوى.

 

 والسؤال هنا.. كيف ستتعامل العلوم الإنسانية مع هذه التغيرات الجذرية التى طرأت فجأة ودون سابق إنذار وهزت عرش العلاقات الإنسانية؟، وماذا إذا استمر هذا الضيف الثقيل «كورونا» بأثقاله كبيسًا على أنفاس البشرية لفترة زمنية طويلة؟، هل ستستطيع البشرية الصمود طويًلا والتكيف مع هذه الثقافة الجديدة (التباعد الاجتماعى) وتضرب بكل موروثاتها عن العلاقات الإنسانية عرض الحائط؟، هل سينحرف مسار العلوم الإنسانية قليلًا ليجد أدوات اتصال تفاعلية جديدة تشبع الاحتياجات الإنسانية وتتلاءم مع طبيعة المتغيرات التى أحدثتها كورونا؟.

 

أعتقد أن ما بعد كورونا، ستختلف الرؤية كثيرًا، ستتسع العدسة لتشمل أبعادًا كانت لم تكن تدركها العين البشرية من قبل.

 

 أعتقد أن العلوم الإنسانية بحاجة لتعزيز مضامين جديدة للتقارب والتفاعل الجسدى.. مضامين تضع فى رؤيتها كيفية إشباع النفس البشرية واحتوائها فى ظل صعوبة التقارب والتلامس الفعلى. اعتقد أن البشرية بعد كورونا تحتاج لتعزيز وتنمية قدرات التواصل اللفظى وغير اللفظى بمختلف أشكاله لاحتواء الآخر فى مثل هذه الظروف الصعبة. 

 

كورونا سيذهب حتمًا يومًا ما .. ولكن ما هو مؤكد أن البشرية ليست فى مأمن من التعرض لمثل هذه النكبات مرة أخرى!.. لذلك وجب علينا الانتباه والتنبيه...