
محمد صلاح
«بائع الفريسكا».. ودولة «جبر الخواطر»
التجربة أثبتت أن مصر تغيرت، ومازالت تتغير للأفضل، فمن منا لا يرى التنمية الشاملة على كل شبر من ترابها المقدس، والنهضة الاقتصادية التى انعكست على بناء الإنسان، ونجاح دولة 30 يونيو فى ترسيخ مبادئ العدالة والمساواة، وسيادة القانون، وعدم التمييز بين المواطنين، وجبر خاطر المتفوقين من أبناء البسطاء، ودعمهم ومساندتهم ليكونوا المثل والقدوة لكل متجهد لتظل راية الوطن عالية خفاقة.
الواقع يؤكد أن الظروف المعيشية لم تحرم أطفالنا وشبابنا من التعليم، وتغيرت مجتمعاتنا بالعزيمة والإصرار إلى بيئة حاضنة ليس للنجاح فقط بل للإبداع والتفوق، بدليل «قوائم الأوائل» فى الثانوية العامة، التى تتزين كل عام بأبناء البسطاء، الذين يتعلمون فى المدارس الحكومية، ويواصلون مراحلهم التعليمية بالجامعات الحكومية، فمن منا لا يتذكر ابن «بائعة الأنابيب» و«بنت الغفير» و«بائع الفريسكا».. بالتأكيد هؤلاء سيكونون امتدادا لقائمة طويلة من المشاهير فى السياسة والطب والأدب والفلسفة.. الذين تحدوا التحدى، للوصول إلى تلك المكانة المرموقة.
الفقر ليس «سبة» أو عيبا، ولكن العيب من يجعله «شماعة» لتبرير الفشل، أو عقبة فى طريق نجاحه وتحقيق أهدافه، فالنجاح دائما ما يولد من رحم المعاناة وتحدى الصعاب.. وعلى تراب مصر المقدس، يوجد آلاف النماذج المشرفة للشباب من أبناء الطبقات الفقيرة والمتوسطة، الذين يكافحون ليل نهار، لبناء مستقبل أفضل لهم ولأسرهم ووطنهم، ولم يجلسوا على «المصاطب» يتحسرون ويندبون حظهم العاثر.
ما بين إبراهيم عبد الناصر الشهير بـ»بائع الفريسكا»، وعلى باشا إبراهيم، «أشهر الجراحين فى مصر»، نقاط تشابه كثيرة، فالإثنان جمع بينهما الفقر، والظروف المعيشية الصعبة، كافح كل منهما للتغلب على ظروفه، وتحقيق الهدف الأسمى، وهو الالتحاق بكلية الطب، فـ»على إبراهيم» ربته والدته الفلاحة «مبروكة خفاجى» بعدما طلقها زوجها بسبب الفقر، وهى حامل فى الشهور الأخيرة، وكافحت لتوفر له مصاريف الدراسة، وكانت الظروف المعيشية دافعا لتفوق على إبراهيم، وصار تفوقه ونبوغه «حديث الناس»، التحق كلية الطب عام 1897، وتتلمذ على يد شيوخ الجراحين آنذاك، حتى صار طبيب السلطان حسين كامل، ومن بعده الملك فؤاد الأول، وأنعم عليه السلطان والملك بدرجة «البكوية» ثم «البشوية»، ثم وزيرا للصحة، وأول نقيب للأطباء، وانتخب عضوا بمجلس الأمة. أما إبراهيم عبدالناصر الشهير بـ«بائع الفريسكا» فقد صار أيضا « حديث الناس»، بعدما قهر كل الصعاب حتى حقق حلمه بالالتحاق بكلية الطب، ليصبح جراحا شهيرا فى المستقبل، ولم تتأخر الدولة فى تحقيق حلمه، بل تحركت سريعا، واتصل به الدكتور خالد عبدالغفار وزير التعليم العالى ليقول له: «إحنا تحت أمرك» وتقدم له الحكومة منحة مجانية للدراسة بكلية الطب جامعة الإسكندرية، ثم تتكفل إحدى شركات المحمول بـ»كورسات» ومستلزمات دراسية بقيمة 100 ألف جنيه، فضلا عن شهادات استثمار من أحد البنوك، ثم تكريم من وزارة الشباب والرياضة، ورجال أعمال.
كعادتها، تحركت الحكومة سريعا و بشكل إيجابى، وجبرت بخاطر المتفوقين من أبناء البسطاء، وعليها أن تستكمل تلك المسيرة، وألا تغفل آلاف الشباب المتفوقين فى القرى والنجوع، وتشكل بكل محافظة لجنة لاكتشاف الموهوبين والمتفوقين، وأن تؤسس صندوقا لدعمهم ورعايتهم، للانتهاء من مراحلهم التعليمية، شريطة أن يستفيد وطنه من علمهم بعد تخرجهم، وألا يلوذوا بالفرار إلى الخارج مع أول إشارة إليهم.