الإثنين 1 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
حواديت أمى «روزاليوسف»!

حواديت أمى «روزاليوسف»!

اعتادت والدتى كلما سمحت ظروفها ولو لمدة قصيرة بالتخلى عن مهمتها كصحفية والقيام بدورها كأم اعتادت فى تلك الحالات أن تجلس الى فراشى وتأخذ فى قص ما تعرفه عن مغامرات رجال الحركة الوطنية حتى يغلبنى النعاس فأنام وصور أبطالنا تداعب رأسى الصغير!!



هكذا كتب الأستاذ إحسان عبدالقدوس وعن طريق هذه الحكايات استمع لحكايات عن عشرات الأسماء السياسية اللامعة فى طفولته وسرعان ما كبر وأصبح ذلك الصحفى اللامع فاقترب أكثر منهم!!

ومن هذه الشخصيات البارزة محمود فهمى النقراشى باشا الذى اغتالته جماعة الاخوان المسلمين عام 1948 عقب قراره بحل جماعة الإخوان!!

كتب إحسان يقول: كان بطلا من أبطال الجو السياسى الذي نشأت فيه وكانت مواقفه المشهورة إبان الثورة المصرية - ثورة 1919 - تقص على قبل أن آوى إلى فراش تماما كما يقصون اسطورة الشاطر حسن وبنت السلطان!!

وقد كونت عن النقراشى باشا صورة فى مخيلتى لفارس جميل يرتدى ملابس القرون الوسطى ويغامر ويجازف لإنقاذ حبيبته من يد مغتصبها ولم تتغير الصورة كثيرا عندما رأيته لأول مرة وكان ذلك عام 1932 حيث قدمنى الى معاليه الاستاد محمد التابعى وقبل أن يذكر الاستاذ اسمى وصفتى ونعتى نظر الى النقراشى باشا نظرة فاحصة وصاح: لابد انك نجل السيدة روزاليوسف!!

وهنا آمنت بالنقراشى باشا واعتبرته وليا من أولياء الله الصالحين أو على الاقل آمنت بفراسته وحدة ذكائه وقوة ملاحظته.

واعترف أن النقراشى باشا كان له الفضل الاكبر فى تكوينى كصحفى ناشئ فقد كان يناقشنى عند زيارتى له بهدوء ويغير آرائى ويوجهنى التوجيه الصحيح وقد تنبأ لى معاليه بمستقبل كبير فى الصحافة!

وكان سر تشجيع النقراشى باشا لى كصحفى إنه لم يقابلنى كما اعتاد أن يقابلنى به بقية عظمائنا فيطبطب على كتفى وعلى شفتيه ابتسامة حنو أبوى ويقول فى لهجة يشع فيها الكثير من العطف والحنان: أنت فى سنة إيه دلوقتى يا بابا؟!

لم يكن النقراشى باشا يقابلنى هكذا بل كان يقابلنى مقابلة رجل لرجل ويحدثنى فى السياسة العليا ويناقش آرائى فيها مهما بلغت من السخف والخطأ، فيصحح الخطأ فيها!

ويحكى إحسان هذه الواقعة المهمة والدرس الذى تعلمه فيقول: لقد نشرت مرة صورة مثيرة وكتبت مقالا مثيرا رأى فيه النقراشى باشا حضا على الاخلال بالأمن فاستدعانى الى مكتبة وقال لى وهو يظهر غضبه على: اذا كنت تظن أن من الوطنية أن تلقى بقنبلة فى فناء مدرسة إنجليزية فأنت مخطئ.. بل أنت تعمل ضد وطنك!!

وصحت محتجا إنى لم أقصد بمقالى أن يلقى الشبان بقنبلة فى فناء المدرسة الانجليزية بل قصدت أن أنقد سياسة التعليم فى هذه المدرسة ثم أنى لا أريد من دولتك أن تحكم على بعقلية النقراشى رئيس الوزارة بل يجب أن تحكم على بعقليتك عندما كنت فى سنى وكنت تشترك فى الثورة وتثير الشعب من حولك؟!

وكان هذا اتهاما صريحا منى لا ينقصه التطاول وتقبله دولته بصدر رحب وقال وعيناه تلتمسان من شبابى عذرا وقال: ثق أن النقراشى فى سن العشرين لم يتغير فى سن الستين ولكن الظروف هى التى تغيرت وثق أن النقراشى الثائر لايزال ثائرا ولكن الثورة تتخذ اشكالا تمليها الظروف المحيطة بها، وقد كنا فى عام 1919 نثور ضد الانجليز ونقاتل فى الشوارع جنودا إنجليز، ونحرج الحكومات لأنها كانت حكومات يحركها مستشارون إنجليز، وعندما تفشل هذه الحكومات فى حفظ الامن فإن ذلك يعتبر فشلا للانجليز، أما لو قامت اليوم ثورة بنفس الطريقة التى قامت بها فى عام 1919 لكانت ثورة مصريين ضد مصريين، وكان قتالا بين مصريين وجنود مصريين وكان احراجا لحكومة مصرية خالصة مسئولة عن حفظ الامن لو فشلت فى ذلك لكان فشلها فشلا لمصر.

ويختتم إحسان مقالا قائلا: واقتنعت لو عددت ألف حادثة وألف حديث لانتهت جميعها بالاقتناع بالنقراشى باشا. وللحكاية بقية!