السبت 20 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
داود الأنطاكى

داود الأنطاكى

داود بن عمر الانطاكى (ولد بأنطاكية، وتوفى عام 1008 هـ/1599م، فى مكة المكرمة) المعروف بالرئيس الضرير، ولد كسيحًا ثم شفى من كساحه، ولد بقرية الفوعة فى محافظة إدلب بشمال سورية، عاش بأنطاكية ونسب إليها، زار- طلبا للاستزادة بالعلم - دمشق والقاهرة وبلادًا من الأناضول ومكة حيث استقر بها إلى حين وفاته، وكان عالمًا بالصيدلة والطب، نزح من أنطاكية إلى مصر بعد أن حفظ القرآن الكريم، وعمل كرئيس للأطباء والصيادلة فى القاهرة ونال شهرة عظيمة فى مداواة المرضى.



ولد داود الأنطاكى فى انطاكية -جنوب تركيا الآن - فى القرن العاشر الهجرى، كان والده عمدة قرية تُسمَّى «حبيب النجار»، وقد وُلد داود كفيف البصر، وأصابه مرض أعجزه عن القيام، فكان يُحْمَل إلى رُباط (خيمة) أقامه والده قرب مزار حبيب النجار لخدمة الزائرين له، وذات مرة نزل بالرباط رجل قال عنه داود الأنطاكى: إنه من أفاضل العجم يدعى محمد شريف، فلما رآنى سأل عنى فأُخْبِر، فاصطنع لى دُهْنًا مسَّدنى به فى حرِّ الشمس، ولفَّنى فى لفافة من فرقى إلى قدمى، حتى كدتُ أموت، وتكرَّرَ منه ذلك الفعلُ مرارًا، من غير فاصل، فقمت على قدمى، ثم علَّمَه هذا الرجل الفاضل المنطق والرياضيات، وانتقل داود بعد ذلك إلى بلاد الروم كبيزنطة - إسطنبول حاليًّا - والأناضول - شرق تركيا - ليستزيد من العلم، وتعلَّم داود اللغات اليونانية واللاتينية، وجاء إلى القاهرة، فعمل فى البيمارستان المنصورى، واطَّلع على كتب الطب والصيدلة، والأدوية المفردة والمركبة والنباتية والحيوانية والمعدنية، وذاعت شهرة داود الأنطاكى كطبيب يعالج الفقراء والأغنياء فى حى الأزهر بالقاهرة، وعُيِّنَ رئيسًا للعشَّابين الصيادلة، وكانت له هناك حجرة فى المدرسة الظاهرية لغرض اجتماعه بالناس ومداواة المرضى منهم. ومن نبوغه فى الطب وعلم الدواء لُقِّبَ داود الأنطاكى بالحكيم الماهر الفريد، والطبيب الحاذق الوحيد،العلامة الطبيب، وجالينوس أوانه، وأبقراط زمانه،  وله عدد كبير من المؤلفات صنفها بعد نزوحه إلى مصر، وقد تجاوز عددها ستة وعشرون مؤلفًا أغلبها فى الطب وكان صاحب دعابة وروح مرحة، وخصال طيبة، وكرم وسخاء، وخوف وخشية من الله، وقالوا إنه كان إذا سُئِلَ عن شىء من العلوم الحكمية، والطبيعية، والرياضية، أَمْلَى ما يدهش العقل بحيث يجيب على السؤال الواحد بنحو الكرَّاسة.

ومن أشهر ما ألَّفَ داود الأنطاكى كتاب «تذكرة أولى الألباب والجامع للعجب العجاب» المشهور بتذكرة داود، تكلم فيه عن علوم الطب والدواء والعلاج، وما يتعلق بها من مداخل وكليات، وقد سَاءَه حين دخل مصر أن يرى علم الطب محصورًا بين اليهود، قال: فعزمت على أن أجعله كسائر العلوم، يدرس ليستفيد به المسلمون، وقدَّم فى هذا الكتاب نصائح مهمة حول التغذية، خاصة فى زمنه، كالأطعمة التى تناسب أوقاتًا معينة أو تلك التى لا ينبغى أن يجمع بينها فى الوجبة الواحدة، وتبكير الغداء وعدم تأخير العَشاء، وتحدَّث عن آثار العلماء السابقين فى مجالات الطب والدواء، كالرازى وابن سينا وابن البيطار وغيرهم، وأثنى على ما قدَّموه من جهودٍ علميَّةٍ ولكنه نَبَّهَ على بعض الأخطاء التى وقعوا فيها.

ووضع قوانين عشرة لذكر المفردات الطبية، منها ذكرها بالأسماء المختلفة فى اللغات حتى يعمَّ النفع بها، لأن الأسماء تتغير من مكانٍ لآخر، وذكر ماهيتها وأوصافها من لون وطعم ورائحة وملمس، وذكر منافع كل منها فى البدن، وكيفية استخدام كل منها بمفردها أم مع غيرها، مغسولة أم لا، مسحوقة أم لا، وكيفية الانتفاع بالدواء ومتى يتم جنى النبات المتخذ دواء حتى يحدث أثره فى العلاج. لأن قطعه قبل موعد معين أو بعده يمكن أن يقلل من أثره أو يمنع من الانتفاع به أو يجعله ضارًّا، وتحدَّثَ أيضًا عن الأماكن التى يُجلب منها الدواء... إلخ، كما تحدَّث عن استخلاص الدواء من الحيوانات والمعادن.