الإثنين 1 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
روزاليوسف تزور إحسان فى زنزانته!

روزاليوسف تزور إحسان فى زنزانته!

ما أكثر الحوارات التى كانت تدور بين السيدة «فاطمة اليوسف» وابنها «إحسان عبدالقدوس».



لكن أغرب وأعجب حوار دار بينهما عندما زارته فى السجن بعد اعتقاله سنة 1954 نزيل الزنزانة رقم 19 بالسجن الحربى. ويروى إحسان القصة قائلًا:

«كنت قد أمضيت فى سجنى الانفرادى شهرًا ونصف الشهر شبه معزول عن العالم أجمع، حتى فتح باب الزنزانة ذات يوم وفوجئت بالحارس يعلن نبأ قدوم زائر أعترف بأننى لم أكن أتوقع دخوله على فى زنزانتى البغيضة، وكان هذا الزائر هو أمى وأستاذتى فاطمة اليوسف، وبيننا دار حديث طويل غريب لعله أغرب حديث يدور بين أم وابنها فى مثل هذا المكان الغريب.

وأردت أن أخفف من التوتر الذى خيم على جو الزنزانة فأشرت لها بالجلوس على السرير غير الفاخر الذى كانوا قد أحضروه لى قبل زيارة أمى بساعات قلائل وقلت مداعبًا: استريحى ياسيدتى على السرير .. آسف إذا كان الوقت لم يتسع لإحضار باقى الأثاث الذى يناسب تشريفك لزنزانتى المتواضعة!

ولم تبتسم أمى، بل لم تلن النظرة الصارمة التى كانت تطل على من عينيها وفى استعلاء جعلنى أشعر بالانكماش والتضاؤل أمام هذه السيدة الجبارة على نفسها وعلى وحيدها حتى فى أشد المواقف عنفًا وصرامة قائلة: - لا تهزل يا إحسان فالموقف لا يحتمل الهزل!

ومضت تقول: أسألك يا ولدى سؤالًا لست أدرى هل راودك هذا السؤال من قبل أم أن نشوة الاندفاع فى عملك الصحفى ونشوة المعارك التى خضتها منذ أصبحت قادرًا على خوض المعارك قد شغلتك عن التفكير فيه؟! كم تتصور أننى كصاحبة مجلة قد خسرت من مالى ثمنًا للأعداد التى صودرت من مجلتى فى كل مرة تعرضت فيها للمصادرة؟!

«قد تعجب يا إحسان إذا عرفت الآن أن مجلتك التى ترأس تحريرها قد عطلت طوال ثمانية وعشرين عامًا منذ إنشائها وحتى قيام الثورة عام 1952 مئات المرات، وأننى فوجئت شخصيًا وأنا أحصى الفترات التى عطلت فيها، فإذا هى تبلغ مائة وأربعة وثلاثين شهرًا كاملًا، وأن عدد النسخ التى أمر بمصادرتها رؤساء الحكومات قبل الثورة بلغ ثمانية وثلاثين ألفًا وستمائة نسخة يبلغ ثمنها فى ذلك العهد الرخى فى أسعار الورق والطباعة وأجور المحررين مائة و ستة وأربعين ألف جنيه!

تصور يا إحسان هذا المبلغ تخسره سيدة وحيدة مثلى لا سند لها إلا إيمانها بالله وبالشعب وبحق هذا الشعب فى أن يكون هناك دائمًا من يصرخ باسمه فى وجه الطغاة، ستة وأربعون ألفًا ومائة ألف جنيه خسرتها يا إحسان طوال هذه السنوات فى رحلتى الشاقة بحثًا عن العدل لى وللناس ولكى تعرف مدى جسامة هذا المبلغ بالنسبة لمجلة تملكها سيدة عزلاء مثلى لا تؤيدها حكومة لأنها لا تؤيد من الحكومات إلا من هى أهل للتأييد، ولا يساندها حزب لأنها عاهدت الله والوطن على أن تتحرر دائمًا من قيود التبعية إلا للحق وحده!

ولكى تعرف جسامة هذا المبلغ أقول لك إننى كنت أحيانًا كثيرة أبيت ليلتى بلا عشاء، حتى لا اضطر إلى «خدش» جنيه سيحتاجه تاجر الورق أو صاحب المطبعة فى الصباح.

ويستمر الحوار الممتع والمثير وكما جاء فى حوار إحسان مع الكاتب الصحفى «محمد الشناوى» فى مجلة الجديد عدد 15 أبريل سنة 1975، ولم تصدر الحوارات كاملة إلا بعد 45 سنة عن «منشورات لبتانه» وتقديم الكاتب اللامع «إبراهيم عبدالعزيز» الذى قدمها لبتانه بعد أن عثر عليها مصادفة عند أحد باعة الكتب على الرصيف بشارع رمسيس. وللحكاية بقية!