
أ.د. رضا عوض
طارق بن زياد
طارق بن زياد قائد عسكرى مسلم، قاد الفتح الإسلامى لشبه الجزيرة الأيبيرية خلال الفترة الممتدة بين عاميّ 711 و718م بأمر من موسى بن نصير والى أفريقية فى عهد الخليفة الأموى الوليد بن عبد الملك. يُنسب إلى طارق بن زياد إنهاء حكم القوط الغربيين لإسبانيا. وإليه أيضًا يُنسب «جبل طارق» وهو الموضع الذى وطأه جيشه فى بداية فتحه للأندلس. يُعتبرُ طارق بن زياد أحد أشهر القادة العسكريين فى التاريخين الأيبيرى والإسلامى على حدٍ سواء، وتُعدّ سيرته العسكريَّة من أنجح السير التاريخيَّة.
كذلك اختلف المؤرخون حول نهاية هذا الرجل وكيف كانت، ومن المعروف أنَّه عاد إلى دمشق بصحبة موسى بن نصير بعد أن استدعاهما الخليفة الوليد بن عبد الملك، وقيل أنَّ سبب ذلك هو خلافٌ وقع بينهما واحتدّ، وفى جميع الأحوال فقد عُزل كلٌ منهما عن منصبه، وأمضى طارق بن زياد أواخر أيَّامه فى دمشق إلى أن وافته المنيَّة سنة 720م. ترك طارق بن زياد إرثًا كبيرًا بعد وفاته تمثَّل ببقاء شبه الجزيرة الأيبيريَّة تحت حكم المسلمين زهاء 8 قرون، وفى وقتٍ لاحق خلال القرن العشرين أُطلق اسمه على عدد من المواقع فى البلدان الإسلاميَّة وبالأخص فى المغرب العربى..
يتَّفق أغلب المؤرخين المسلمين المعاصرين، من عرب وأمازيغ، وإسبان، أنَّ طارق بن زياد كان مولى موسى بن نصير والى إفريقية، وكان موسى بن نصير قد خرج غازيًا من إفريقية إلى طنجة فتبع البربر الذين هربوا غربًا خوفًا من تقدم المسلمين، ووصل موسى وجيشه إلى السوس الأدنى وهو بلاد درعة حيث مضارب قبيلة نفزة الجبلية، فلما رأى البربر ما حدث لهم من سبى وتقتيل استأمنوا وأطاعا، فولى عليهم واليًا ووضع طارقًا واليًا على طنجة وما والاها فى سبعة عشر ألفًا من العرب واثنى عشر ألفًا من البربر، وأمر موسى بن نصير العرب بأن يعلموا البربر القرآن وأن يفقهوهم فى الدين، وترك البقية لطارق بن زياد فى تولية أمور المسلمين فى المغرب الأقصى. وكان من استراتيجية موسى بن نصير من أجل تهدئة وترويض المغرب الأقصى أن يتخذ من القبائل المقهورة صنائع وموالي، ففكَّر بأن يضع عليهم شخصا منهم وأن يكون مجده مجدهم، ولذلك وضع طارقًا واليًا على طنجة كونه من سبى البربر الذين سبى موسى بن نصير منهم الكثير، وبجانب ولايته كان طارقًا مكلفًا برهائن البربر.
بعد نجاح العمليَّات العسكريَّة لطارق بن زياد، تمَّ لموسى بن نصير السيطرة على كامل المغرب الأقصى، وامتد النفوذ الأموى الإسلامى إلى تلك المناطق وأصبحت من حينها جزءًا من العالم الإسلامى، غير أنه بقيت فقط سبتة التى كان يحكمها حاكم قوطى يدعى يوليان خارج نطاق سيطرة المسلمين.
كانت عادة أشراف القوط أن يرسلوا أولادهم إلى بلاط ملكهم للتعليم والتنشئة هناك.
وحدث أن اغتصب لذريق ملك القوط ابنة يوليان، مما أغضب الأخير، وقرر أن ينتقم بدعوة المسلمين لغزو القوط. كما يبدو أنَّ يوليان هذا كان يمتلك بعض الإقطاعات فى جنوبى أيبيريا، وهو على صلات حسنة مع حكَّام البلاد السابقين آل غيشطة، وتحالف مع أخيلا المُطالب بالعرش الإسبانى للتخلّص من حكم لذريق، كما كان رسول آل غيشطة إلى المسلمين. ولمَّا تاخم المسلمون حدود بلاده وجد فى قوَّتهم خير من يُساعده فى تحقيق هدفه، كما أراد أن يُقدمَ إليهم خدمة جليلة بعد أن أضحوا أسياد المنطقة، فقرر أن يؤدى دور الوسيط فى تشجيعهم على العبور إلى إسبانيا، فراسل موسى بن نصير، وقيل طارق بن زياد، يدعوهم لعبور المضيق وغزو القوط، وأعدّ لهم السفن اللازمة للعبور، وبيَّن لهم حسن البلاد وفضلها وما تحتويه من الخيرات، وهوَّن حال رجالها ووصفهم بالضعف.
كتب موسى بن نصير إلى الوليد بن عبد الملك يُبلغه عرض يوليان ويستأذنه فى العبور. تردد الوليد فى بادئ الأمر خشيةً على المسلمين من أن يُغرَّر بهم، وأمر موسى بأن يتروّى فى الأمر، وأن يختبر البلاد بالسرايا. بناءً على هذا أرسل موسى أحد ضبَّاطه ويُدعى طريف بن مالك وهو من البربر، على رأس قوَّة عسكريَّة وأمره بالغارة على ساحل إسبانيا الجنوبي. نزل طريف وجنوده فى جزيرة بالوماس، وأغار على المناطق التى تليها إلى جهة الجزيرة الخضراء وأصاب سبيًا كثيرًا وعاد مُحمَّلًا بالغنائم، فأقنعت هذه الحملة كلا من الخليفة وموسى بن نصير بضعف وسائل الدفاع الإسبانى.