الثلاثاء 23 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ميدان التحرير

ميدان التحرير

تظل الحضارة المصرية نبراسا للإنسانية قديما وحديثا وعنوانا مهما فى تاريخ الأمم والشعوب.. شاهدت التطور الجمالى لميدان التحرير وهو أحد أعرق الميادين فى العالم وقد أصبح  لوحة بديعة شكلا ومضمونا.. فكرة التطوير فى حد ذاتها تستحق الإشادة والتقدير لصاحب الفكرة التى تؤكد على أن المصرى دائما فى حالة من الإبداع طالما توفر له المناخ الملائم ليخرج ما عنده من أفكار على أرض الواقع.



عندما تمر فى هذا المكان الملئ بالذكريات لا بد وأن يمر عليك شريطا من الذكريات.. ذكريات الانكسار والفوضى والتخريب والمؤامرات أيام فوضى 25 يناير وما أعقبها وذكريات التصحيح فى 30 يونيو الفارق كبير وشاسع بين الفترتين.

نعود إلى التطور الحضارى والمعمارى الذى تشهده مصر فى هذه الفترة.. البناء وإتقان العمل فى كل مكان شرقا وغربا جنوبا وشمالا بالإضافة إلى المتابعة المستمرة لكل مشروع يقام بسواعد المصريين. نعود إلى تفسير الرموز التى نشاهدها حاليا فى ميدان التحرير ونتحدث عن رمزية الكباش الأربعة التى تجلس رابضة فى الاتجهات الأربعة وتتوسطهم المسلة الضخمة شاهقة الارتفاع وبالعودة إلى المراجع التاريخية اتضح أن الكبش ليس مجرد حيوان فى تاريخ الزراعة، فهو ليس ذبيحة يضحى بها تقربا إلى الله، أو إنقاذا للبشرية من الهلاك، أو تكفيرا عن أخطائهم فحسب، لكنه مخلوق استثنائى ضرب بسهم وافر فى الحضارة والثقافة والأدب والفن، وأثبت حضورا طاغيا ارتبط بقدسية الديانات الإبراهيمية، وذكرته نصوص الكتب السماوية تصريحا وتمثيلا، حيث يحمل دلالات عميقة تعطى صورة رحيمة لمعنى الفداء والتضحية والقربان والتقرب وأيقونة للخلود.

ويرجع ظهور الكبش كحيوان مقدس إلى عصور ما قبل التاريخ، وكانت بداية ظهوره على هيئة صلايات صخرية منقوش عليها هيئة الكبش، ثم ظهرت صوره على الأوانى من عصور نقادة الثانية والثالثة، ثم على هيئة تمائم ونقوش على الفخار.

ويربط طريق الكباش الأعرق عالميا معبد الأقصر بمعبد الكرنك، وكان يضم نحو 1200 تمثال بجسم أسد ورأس كبش، والذى أقيم فى عصر الأسرة الثامنة عشرة لتسير به المواكب المقدسة للملوك والآلهة.

أما المسلة التى تتوسط الكباش الأربعة هى إحدى إنجازات الهندسة الفرعونية العريقة، تم بناؤها على يد أول أسرة حاكمة فى مصر القديمة، ما بين عامى (2613_3150ق م) هادفين بذلك إلى تخليد ذكرى انتصاراتهم فى المعارك، أطلق عليها العرب اسم «مسلة» لشبهها بإبرة الخياطة الطويلة السميكة.

يتألف شكل المسلة الفرعونية من قاعدةٍ مربعةٍ يمتد منها إلى الأعلى عمود رباعى الشكل يضيق كلما ارتفع العامود شيئًا فشيئًا ليأخذ شكلًا مدببًا فى القمة مشكلًا هرمًا صغيرًا، تزين النقوش والرسومات والكتابات جدرانها الأربعة لتقص على البشرية حياة الملك صاحب المسلة.

اعتمد الفراعنة فى صناعتهم للمسلات على الجرانيت الأحمر الصلب، وبلغت أطول مسلة صنعها الفراعنة فى مدينة أسوان المصرية -والتى تُعتبر أطول المسلات الفرعونية فى العالم- ما يُقارب الـ39 مترًا، كما أنّ وزنها يبلغ 1200 طن.

عُرفت الحضارة الفرعونية بغموضها وكثرة ألغازها، فكل حجرٍ من أحجارها يحمل ملايين القصص والخفايا، فهل تحمل المسلات أيضًا بعض الخفايا؟

بعد كثرة الدراسات والأبحاث بخصوص المسلات، اكتشف العلماء وجود ترابطٍ بين المسلات والشمس، وذلك بملاحظتهم بدخول أشعة الشمس من قمة المسلة الهرمية، والتى تكون فى أغلب الأحيان مطلية بمزيجٍ معدنيٍّ ثمينٍ كالفضةِ والذهب.

كما لاحظوا فى أيام الانقلاب الصيفى تعامد أشعة الشمس الداخلة من قمة المسلة لتظهر المسلات الفرعونية كشموعٍ حجريةٍ براقة، بهذه الملاحظات توصل العلماء إلى أن المسلات متعلقةٌ بعبادة الشمس لدى الفراعنة القدماء.

تشرق شمس القاهرة وسط ميدان التحرير بعد هذا التطور شكلا ومضمونا لواحد من أهم وأكبر الميادين المصرية لتكون شاهدا على الحضارة والتقدم والرقى عند المبدعين المصريين قديما وحديثا.  تحيا مصر..