الإثنين 1 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
أحمد بهاء الدين والحب عند إشارة مرور

أحمد بهاء الدين والحب عند إشارة مرور

اعتاد الأستاذ الكبير «أحمد بهاء الدين» كلما سافر إلى بلد أجنبية أن يشترى قبلها «مفكرة» أو «نوتة صغيرة» يسجل فيها المعلومات والملاحظات التى يعثر عليها خلال الرحلة، وعندما يعود إلى مصر تكون هذه المفكرة الصغيرة هى مرجعه الوحيد فى كل ما يكتبه عن هذا البلد أو تلك.



لماذا كان يكتب الأستاذ «بهاء» فى هذه المفكرة، هو بنفسه أجاب عن ذلك فى مقال بعنوان: «من بلد إلى بلد» نشرة فى مجلة «صباح الخير» وقت رئاسته لتحريرها، فى المقال الطريف كتب «بهاء» يقول: بالأمس عثرت على هذه المفكرات فى أحد أدراج مكتبى، وأقول عثرت عليها لأن أدراج مكتبى مثال نادر للفوضى، تختلط فيها المقالات بالخطابات الخاصة بالكتب بكل شىء يخطر على البال، ولا تنظم الأدراج إلا عندما تضيع مقالة لإحدى الزميلات فى «صباح الخير» فتتطوع بتنظيم مكتبى أملاً فى أن تعثر أثناء عملية التنظيم على مقالها الضائع.

وبالأمس قامت زميلة بتنظيم المكتب، فوضعت كل  المفكرات أمامى، فى مكان واحد، وأخذت أقلب صفحات هذه المفكرات.. أن المقالات التى أكتبها مادة فى أعقاب كل رحلة لا تتسع لكل ما فى المفكرة، هناك دائمًا ملاحظات صغيرة، وتفاصيل بسيطة لا أضعها فى سياق المقالات.

مثلاً.. فى الصفحات التى سجلت زيارتى لمتحف لينين فى «موسكو» وجدت ملاحظات كثيرة منها: فى حجرة مكتب «لينين» لافتة تقول ممنوع التدخين.

فى كل حجرات النوم التى استعملها «لينين» وزوجته التى توجد نمائج لها فى المتحف كان يوجد سريران لهما لا سرير واحد.

آخر حذاء لبسه لينين فى حياته كان نعله «دايب» بشكل ملحوظ.

وفى أول صفحة فى المفكرة التى سجلت أول زيارة لباريس وجدت كلمة تقول: الحب عند إشارة المرور.

إن هذه الكلمة تعبر عن دهشة شاب شرقى يدخل باريس، قلب الغرب لأول مرة.

كنت قد ركبت سيارة تاكسى من المطار ذاهبًا إلى قلب باريس، وفى ميدان واسع مزدحم بالحركة وقف التاكسى عند إشارة المرور الحمراء، ونظرت من نافذة التاكسى لأرى منظرًا عجيبًا.

شاب يجلس على موتوسيكل واقفًا فى انتظار إشارة المرورة وفتاة واقفة بجواره، ملتصقة به، متعانقان غائبان فى قبلة عنيفة، والأيدى تعبث فى الشعر وتفرك الأذن وتربت على الظهر.

كل هذا المنظر العنيف عند إشارة المرور الحمراء، والساعة الثانية عشرة ظهرًا وحوله هذه الحركات الهائلة من السيارات والدراجات والناس.

وتصورت أن شيئًا ما لابد أن يحدث، عسكرى بوليس يقبض عليهما، أو رجل شهم يصفعهما، أو رجل المرور يضيء النور الأخضر.. وهذا أضعف الإيمان.

ولكن شيئًا من هذا لم يحدث، وعندما أضيء النور الأخضر قفزت الفتاة على الموتوسيكل خلف الفتى وانطلقا.. ثم تعودت أن أرى هذا فى كل مكان، فى المترو، فى متحف اللوفر، فى المطاعم، فى مصعد برج إيفل المزدحم إلى آخره ترى العاشقين وكأنهما أرادا أن يفسحا مكانا للآخرين فالتصقا حتى أصبحا يشغلان مكانًا واحدًا فى قبلة ولمت منذ بدأ المصعد فى التحرك حتى وصل إلى قمة البرج.

وأنا شخصيًا لست رجعيًا ولكن هذا الأسلوب من الحب لم يعجبنى يخيل إلى أن الحب فى حاجة إلى شىء من الكتمان والاستخفاء يزيده احترامًا ولذة فى نفس الوقت، أما هذا الحب على قارعة الطريق وفى كل المواعيد فهو «رمرمة».

وأخيرًا يقول الأستاذ «بهاء»: ومن يدرى لعلنى مازلت الفتى الشرقى المتحفظ مهما ظن أنه متحرر، والمقاييس عند الناس تختلف على أية حال.

وللحكاية بقية.