الإثنين 1 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
محمد التابعى  وحكايات غنائية

محمد التابعى وحكايات غنائية

حكايات من الشرق والغرب.. واحد من أجمل وأمتع كتب الأستاذ الكبير محمد التابعى والذى صدر عام 1972, فى سلسلة «روايات الهلال» وكان يرأس تحريرها الشاعر والصحفى الاستاذ صالح جودت.



ومن أطرف الحكايات التى رواها كانت بعنوان «عندما غنوا أمام الملوك» وكتب فيها الكثير من الأسرار فيقول: اتصال المطربين بالملوك والأمراء فى مصر قديم يمتد فى تاريخ الفن الحديث إلى عهد عبده الحامولى الذى لم يغن فى حضرة إسماعيل ـ الخديو فقط ـ بل كان مطربه الخاص ,لا يحيي حفله ولا يغادر مصر إلا بإذنه.

وفى أيام السلطان «عبدالمجيد» أرسلت مصر إلى تركيا بعثة فنية مكونة من عبده وعثمان والمنيلاوى وغنوا أمام السلطان، وعاد وفد المطربين والموسيقيين إلى مصر ماعدا «الشيخ يوسف المنيلاوى» الذى استبقاه السلطان ليكون مؤذنًا ومقرئًا بجامع آيا صوفيا فترة من الزمان. وكان الشيخ سلامة حجازى على رأس فرقته التمثيلية الغنائية موضع رعاية المغفور له سمو الخديو السابق - عباس حلمى - وكثيرًا ما شاهد تمثيل فرقته واستمع إلى غنائه على مسرح الأوبرا.. وكان الشيخ سلامة يضع لكل زيارة من زيارات أفندينا نشيدًا أو موشحًا يتسقبله به على رأس فرقة المنشدين, وكانت هذه موضة متبعة فى هذه الأيام واشتهر من هذه التواشيح.

يا جلال الملك يا بدر الزمن.. يا حياة  الشعب ياروح البلاد..

وكان يغنى نشيدًا آخر مع الكورس قبل مبارحة سموه دار التمثيل..

أما فى عهد الملك فؤاد فكان يعهد بمهمة وضع البرامج الفنية فى غالب تلك الحفلات التى تقام فى قصر عابدين إلى مصطفى بك رضا.

وقد غنى فى حضرة الملك فؤاد جميع المطربين والمطربات بلا استثناء.

ومما يذكر أن المرحوم مصطفى العقاد عازف الرق كان دائم الإلحاح على صديقه مصطفى رضا بك ليظهر مع التخت الموسيقى أمام الملك, وكان مصطفى بك يتلكأ فى إجابة هذه الرغبة لأن الرجل مصاب بمرض عصبى يجعله يخرج ما يشبه «الشخير» من فمه وأنفه بين كل لحظة وأخرى وكثيرًا ما تكون نغمة هذا الشخير عالية جدًا بحيث تستلفت الأسماع.

وأخيرا قبل رجاء الرجل وأظهره مع المطرب الناشئ فى ذلك الوقت محمد عبدالوهاب فى حفلة ساهرة أقيمت بسراى عابدين، وكانت الحفلة مقامة احتفالًا بالملك «أمان الله خان» ملك الأفغان. وجلس رجال تخت عبدالوهاب وهم جميعًا من أعضاء معهد فؤاد الأول للموسيقى العربية على المسرح قبل قدوم الملكين بنصف ساعة على الأقل وكان الستار لم يزل مسدلًا وفى هذه اللحظة توسل مصطفى رضا بك إلى صديقه مصطفى العقاد أن يلمها بقدر ما يستطيع هذا ورجال التخت يصلحون الآلات استعدادًا للصمت البليغ عندما ترتفع الستار.

وأخيراً عزفت موسيقى الحرس السلام الملكى المصرى والأفغانى وسكتت الأصوات وطلب مصطفى بك من صديقه إيقاف الشخير الذى كان يغطى على صوت الآلات فسكت الرجل واستعد.

رفعت الستار وبدأ حضرته فى كتم كل حركة شخير يسهل كتمانها أما الحركات التى كان لا يمكن حبسها فكان يخرجها على أقساط حتى أخذ وجه المسكين فى الاحمرار تدريجيًا من مجهود الجبابرة الذى كان يبذله لكتمان عواطفه حتى لا يبوح بها، وما أن أسدل الستار حتى تعالى تصفيق المدعويين خارج المسرح، وتعالى عليه داخل المسرح شخير مصطفى العقاد.

وأقسم مصطفى العقاد يومها لأحد أصدقائه أنه وجد نفسه أمام أمرين: الموت فجأة على خشبة المسرح من كتمان أنفاسه أو الهرب من المسرح إلى مكان يحرر فيه ما تجمع فى صدره من شخير محبوس.