١٠ سنوات مرت على يناير

إذا كنت تعتقد أن الفعل الثورى يحدث لإسقاط دولة ذات مؤسسات مستقرة وإحلال الفراغ والفوضى ووضع وجودها فى حد ذاته محل تساؤل فأنت يقينًا لست نقيًا حالمًا بمجتمع أفضل ولكن فوضوى تخريبى وفى بعض الأحيان إرهابى بامتياز، لست مستعدًا لقراءة موضوعية لما حدث قبل ١٠ سنوات فى يناير 2011 حتى وإن كانت الشعارات النبيلة عيش حرية عدالة اجتماعية هى العنوان العريض المرفوع وقتها.

لا جدال فى أن أهداف الحرية والعدالة الاجتماعية ظلت مطلبًا على مدى التاريخ وسيظل هدفًا يبحث عن التحقق فى كل الدول التى عرفت الثورات منذ تشكل نظام الدول ذاته وليس بعيدًا أن تلك الأهداف كانت سببًا لقيام ثورة يوليو1952 إضافة إلى التخلص من الاحتلال وحددت أهدافها فى الحرية والعيش والعدالة الاجتماعية واجتهدت فيما اجتهدت تحت مظلة وطنية بحتة وتعرضت فيما تعرضت من مقاومات ومؤامرات داخلية وخارجية وحروب أيضًا معلنة ومستترة لكنها – ثورة 52- لم تسع لهدم مؤسسات أو إقرار فوضى أو تعريض أسس الدولة المصرية لاختبار وجود.

صحيح قد نتفق أونختلف حول الأداء فى ستين عامًا مضت وحتى الوصول إلى نقطة الغليان فى 2011، إلا أنه كان أداءً وطنيًا اجتهد و نجح فى أحيان وفشل فى أخرى، وصحيح أيضًا أن الفعل الاحتجاجى فى 2011 كانت له وجاهته بعد أن وصل النظام إلى حالة من الترهل عجز فيها عن التطور بنفس حركة وسرعة وطبيعة تطور المجتمع وشبابه، وصحيح ثالثًا أن النظام أصيب  بحالة انسداد حجبت عنه جدية التعامل مع مخططات شيطانية خارجية وداخلية استهدفت الكيان المصرى فى حد ذاته ولم تكن تنتظر سوى تحرك نبيل أو شرير فعجز عن حماية شعبه منها فسقط، نظام سقط.

إلا أن دولة بحجم مصر وتاريخها وتأثيرها ومائة مليون هم شعبها لا تسقط وما كان لها أن تسقط ولا يجب لها أن تسقط، فالفارق كبير بين نظام وأداء يخفق فى أداء واجباته الوطنية، فيعاد إنتاج نظام جديد بأسس جديدة تتفهم متطلبات العصر وبين إسقاط أركان دولة مركزية وهدم مؤسساتها لصالح مجهول من التفتيت والتقسيم وطمس الهوية الوطنية مهما كانت شعاراتها المرفوعة نبيلة.

وقبل عشر سنوات تعرضت مصر دولة وشعبًا لاختبار وجود حقيقى شهدت عليه تفاصيل الأحداث من محاولة تلى الأخرى لهدم أركان الدولة المصرية وطمس هوية شعبها بغض النظر عن نبل أو شر البدايات التى حركتها، وأما أهداف الحرية والعيش والعدالة الاجتماعية فستظل أهدافًا قائمة طالما ظل الإنسان يتنفس فى أى بقعة من بقاع الأرض.