الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
محمد على باشا الكبير (3)

محمد على باشا الكبير (3)

اهتم محمد على اهتمامًا كبيرًا بالمنظومة التعليمية، وإلى إحياء العلوم والآداب فى مصر، والتى اقتصرت فى عهد العثمانيين على الأزهر والكتاتيب، واندثرت المدارس التى أنشئت فى عصر المماليك وأخذت العلوم فى الانحطاط وأفل نجم الثقافة والتعليم وعم الجهل والتخلف وندر نبوغ العلماء والأدباء والمفكرين -  بعد أن كانت القاهرة مهبط العلماء والأدباء فى العصر المملوكى، فقد أيقن محمد على أنه لبناء مصر الحديثة لا بد من الاهتمام بالتعليم وذلك ببناء منظومة تعليمية على غرار النظام الأوروبي، فأنشأ المدارس على اختلاف درجاتها، وأرسل البعثات العلمية إلى أوروبا، وأخذ من الحضارة الأوروبية خير ما أنتجته العلوم، فنهض بالأفكار والعلوم فى مصر نهضة كبرى كانت أساس تقدم مصر العلمى الحديث, فعمد إلى تكوين  طبقة من المتعلمين تعلمًا عاليًا يستعين بهم فى القيام بأعمال الحكومة والعمران فى البلاد، وفى نشر التعليم بين طبقات الشعب.



  وقد كفل الأزهر إمداد المدارس العالية والبعثات بالشبان المتعلمين, فكان الأزهر خير عضد للتعليم العالي.

ذكر الجبرتي أن أول مدرسة عالية  للهندسة أنشئت فى عصر محمد على   سنة 1816 بالقلعة وأن التعليم فيها كان مجانيًا، وكانت الحكومة تؤدى رواتب شهرية لتلاميذها،  وأضاف الجبرتى أن إنشاء هذه المدرسة راجع إلى ما ظهر من المصريين من المواهب فى الكفاءة والابتكار، وذلك أن أحد أبناء البلد على حد تعبير الجبرتى واسمه حسين شلبى عجوة، اخترع آلة لضرب الأرز وتبييضه، وقدم نموذجًا إلى محمد علي، فأعجب بها وأنعم على مخترعها بمكافأة، وأمره بتركيب مثل هذه الآلة فى دمياط، وأخرى فى رشيد، فكان هذا الاختراع باعثًا لتوجيه فكره إلى إنشاء مدرسة للهندسة، فأنشأها فى القلعة ثم  أنشأ مدرسة المهندسخانة  ببولاق سنة 1834,  وفيها تخرج عدد كبير من المهندسين الذين خدموا البلاد خدمات جليلة، منهم  محمود باشا الفلكي.

كما أسس محمد على مدرسة الطب سنة  1827 , وكان مقرها فى أول عهدها بأبى زعبل لوجود المستشفى العسكرى بها من قبل، ثم نقلت المدرسة ونقل معها المستشفى إلى قصر العينى سنة  1837.

كما أنشأ مدارس عليا فى جميع التخصصات الأخرى, كمدرسة المعادن والمحاسبة والفنون والصنائع والطب البيطرى والزراعة ومدرسة الألسن  الصيدلة  .   كما أنشأ ديوان المدارس لإدارة هذه المنشآت التعليمية, فكان هذا الديوان أول  وزارة للمعارف  فى مصر، والذى قام بنشر التعليم الابتدائى فى جميع أنحاء مصر المحروسة. وقد ذكر كلوت بك أن عدد التلاميذ بمدارس القطر المصرى قاطبة بلغ فى عهد محمد على 10000  تلميذ، تتولى الحكومة الإنفاق على تعليمهم وسكنهم وغذائهم، وملبسهم، وتؤدى لهم رواتب ضئيلة.

 ومن العجيب أن الأهالى فى بدء افتتاح المدارس لم يكونوا راضين عن إدخال أبنائهم فيها، بل كانوا نافرين منها، فكانت الحكومة تدخلهم المدارس فى أغلب الأحيان بالقوة، ولكن ما لبث الأهلون أن رأوا ثمرات التعليم فأقبلوا عليها.

 كما قرر محمد على استقدام المدرسين الأجانب للتدريس بالمعاهد العليا وإيفاد البعثات المدرسية إلى أوروبا ليتم الشبان المصريون دراستهم فى معاهدها العلمية، لينقل إلى مصر معارف أوروبا وخبرة علمائها ومهندسيها ورجال الحرب والصنائع والفنون فيها، واراد ان تضارع مصر أوروبا فى مضمار التقدم العلمى والاجتماعى وأن تجد مصر من خريجى هذه البعثات كفايتها من المعلمين فى مدارسها العالية، والقواد والضباط لجيشها وبحريتها، ومهندسيها والقائمين على شئون العمران فيها وإدارة حكومتها لكى لا تكون مع الزمن عالة على أوروبا من هذه الناحية، فأرسل فى عهده تسع بعثات علميه الى  دول اوروبا ايطاليا وانجلترا والنمسا واغلبها الى فرنسا من عام 1813 الى1847 لدراسة مختلف العلوم والطب والفنون كان أكبرها وأعظمها شأنا, البعثة التى أرسلت الى فرنسا عام 1844 لتلقى العلوم والفنون الحربية مؤلفة من سبعين تلميذا من بينهم الخديو اسماعيل، اما عن البعثة الرابعة أو البعثة الطبية الكبرى سنة 1832 فكان عدد اعضائها اثني عشر تلميذا، وقد نبغ معظمهم وخلدوا أسماءهم بما قاموا به من جلائل الأعمال، وتجل نبوغهم فى نشر العلوم الطبية فى مصر، وخاصة بمدرسة الطب تدريسا وترجمة وتأليفا، وفى الاضطلاع بالأعمال الصحية فى البلاد ومن اشهرهم ابراهيم النبراوي.

وكان محمد على شديد العناية والاهتمام بأعضاء البعثات، يتقصى أنباءهم ويتتبع احوالهم، ويكتب لهم من حين لآخر رسائل يستحثهم فيها على العمل والاجتهاد وينبههم إلى واجباتهم، وقد أورد رفاعة بك رافع نموذجا من رسائله.

هذه المنظومة التعليمية  التى أسسها محمد على باشا الكبير كان لها اوفر قسط فى نهضة مصر الاجتماعية والعلمية والطبية والاقتصادية والحربية والسياسية.