الثلاثاء 30 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
كنز القمامة

كنز القمامة

من عدة شهور ساقنى القدر لزيارة إحدى قرى الصعيد وبالتحديد فى محافظة أسيوط فوجدت شوارع القرية نظيفة جدًا فى الصباح الباكر، بل وجدت بعض الشوارع الرئيسية وقد تم تنظيفها وكنسها جيدًا وبها العديد من أشجار الزينة ومبانى القرية قد تم دهانها بلون موحد وعندما سألت هل هذا يقتصر على الشارع الذى نسير فيه فقط أم هناك شوارع أخرى بنفس الشكل والروح التى تشعرك أنك فى مكان يحمل كل معانى البهجة والجمال؟.



فكانت الإجابة أن التطوير بدأ فى شارع واحد ثم امتد لباقى شوارع القرية حتى أصبحت الحوارى والأزقة مثل باقى الشوارع الرئيسية.

سألت من فعل ذلك، أجابنى صديقى الذى كان يتجول معى فى شوارع القرية بأن الفكرة بدأت منذ عدة سنوات مع إطلاق الدولة يد المجتمع المدنى فى جميع المجالات، الأمر الذى جعل مجموعة من شباب القرية العاطل الذى لا يجد فرصة عمل للاتجاه لتكوين جمعية خدمية لأهل القرية تعمل بجانب عمل المجلس المحلى للقرية فى عمليات جمع ونقل القمامة وتنظيف الشوارع وتشجيرها مع قيام أعضاء هذه الجمعية بتوعية أهل القرية من خطورة تراكم القمامة فى الشوارع أو فى الحوارى لفترات طويلة لأنها تنشر الأمراض والأوبئة، وفى نفس الوقت الدولة وحدها لا تستطيع جمع هذا الكم الكبير من القمامة من الشوارع والحوارى ولا تستطيع تنظيف الشوارع وكنسها وتشجيرها بمفردها واتفقنا مع الأهالى على تكوين جمعية لخدمة المجتمع يعمل بها شباب القرية واستطعنا الحصول على تراخيص هذه الجمعية من كل الجهات المسئولة، وأصبح يعمل بها الآن أكثر من 50 شابًا من شباب القرية وقمنا بشراء عدد من التروسيكلات لجمع القمامة فيها وشراء عربة لنقل القمامة وتوصيلها لأحد الأماكن التى تقوم بفرز القمامة وإعادة تدويرها وعندما سألته عن المقابل المادى الذى يحصل عليه الشباب الذين يقومون بجمع القمامة أكد أن البداية كانت صعبة لأن هناك بعض الشباب ممن حصلوا على مؤهل عال كانوا متخوفين من نظرات أهالى القرية لهم بغض النظر عن المقابل المادى لكنهم فى واقع الأمر قبلوا بالأمر الواقع خاصة عندما علموا أن جمع القمامة من المنازل فيه الحفاظ على صحة أهالى القرية وفى نفس الوقت سوف يستفيد ماديًا خصوصًا أنه سوف يحصل على مقابل 20 جنيهًا فى الشهر عن كل منزل و30 جنيهًا فى الشهر عن كل محل تجارى، فاستطعنا أن نجمع مبالغ مالية تستطيع أن توفر لكل شاب دخلًا شهريًا يتراوح ما بين ألفى جنيه إلى ثلاثة آلاف جنيه، وكل سيارة نقل محملة بالقمامة تصل إلى مكان تدوير وفرز القمامة تحصل على مقابل ثلاثة آلاف جنيه، الأمر الذى دفعنا إلى أن نتوسع فى عمليات تجميع القمامة فى قريتنا والقرى المجاورة ولا نكتفى بجمع القمامة فقط بل نقوم بكنس وتنظيف الشوارع وتشجيرها ونقوم بعمليات التوعية أيضًا لدى أهالى القرية التى نعمل بها من أجل الحفاظ على ما وصلنا إليه من شكل جمالى وصحى وبيئى فى الأماكن التى نعمل بها، ويضيف وجدنا ترحيبًا كبيرًا من المسئولين فى كل الجهات خاصة من مسئولى المجلس المحلى الذين ساعدونا كثيرًا خاصة أن عدد العاملين فى المحليات أو فى البلدية لن يستطيعوا تنظيف كل القرية وشوارعها وحواريها، وقمنا بالتنسيق معهم فى كل ما نقول به وقاموا هم بتوفير الأشجار والزرع الذى نقوم بوضعه فى الشوارع.

من هذه التجربة نجد أن هناك من الشباب من استطاع أن يفكر خارج الصندوق ولم يقف مكتوفى الأيدى ينتظر خطاب التعيين من الحكومة فالشاب الذى يعمل فى هذه الجمعية يتقاضى متوسط ثلاثة آلاف جنيه فى الشهر مقابل عمل من 4 إلى 6 ساعات يوميًا، بالإضافة إلى أنه ساعد القرية على القضاء على الأمراض والأوبئة، وفى نفس الوقت ساعد مراكز تدوير القمامة على جمع أكبر قدر من القمامة والتى تقوم بفرزها وإعادة تدويرها بل إن بعض القرى أصبحت تلجأ إليها للحصول على السماد العضوى لاستخدامه فى بعض الزراعات بأثمان باهظة لذلك تحولت القمامة إلى كنز حقيقى تدر على العاملين فيها آلاف الجنيهات بل الملايين من الجنيهات إذا تم استغلالها بشكل صحيح، وقد أكدت الدراسات الحديثة أن عملية تدوير القمامة ما هى إلا عملية إعادة تصنيع واستخدام القمامة سواء كانت المنزلية أو الصناعية أو الزراعية ويمكن الاستفادة منها، وذلك مع التقليل من تراكم المخلفات وتأثيرها على البيئة والمجتمع ككل وهذه العملية تتم عن طريق عزل المخلفات وبدء عملية التدوير أو إعادة التصنيع لكل مادة لتحويلها إلى منتجات قابلة للاستخدام.

وقد بدأت مصر أولى الخطوات فى هذا المشروع بعد أن تبنت الدولة إقامة محطات فرز وتجنيب ضخمة فى عدد من المحافظات وهى فى طريقها لتعميم هذه التجربة فى كل المحافظات، الأمر الذى يحول القمامة إلى كنز حقيقى يصل إلى المليارات من الجنيهات.