الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
فاطمة اليوسف شديدة الذكاء شغوفة بالحياة!

فاطمة اليوسف شديدة الذكاء شغوفة بالحياة!

عندما أستعيد ذكرى تلك الأيام، أرى أنها كانت جميلة، وكانت بالنسبة لمجلة «روزاليوسف» من أزهى عصورها، ولكن أجمل ما فيها من ذكريات هو علاقتى الجميلة بالسيدة «روزاليوسف»!



كان لها صوت رفيع رنان مهما يصل فى طبقاته العليا إلى قوة آسرة أعجبت معاصريها، وكان بياض بشرتها مشوبًا بحمرة خفيفة ولم يكن فى وجهها شائبة ما، وكانت تمشى مستقيمة الهامة مرفوعة الرأس، وئيدة الخطو بالطبع ولكن بثبات، وكانت قد تعودت أن تأمر فتطاع، ولعله لهذا السبب كانت تبدو قاسية نوعًا ما، وكثيرًا ما كنا نسمع صوتها وهو يجلجل غاضبًا لأمر ما وهى توبخ أحد العاملين بالمجلة!

ولست أذكر ما هى الدواعى التى كانت تدعونى للدخول فى حجرتها، وكنت - فى الواقع - معجبًا بها كامرأة قوية استطاعت أن تنشئ هذه المجلة القوية على الرغم من أن تعليمها الرسمى كان ضئيًلا جدًا، بل قيل إنها لم تكن تعرف القراءة والكتابة حين جاءت إلى مصر فى سن صغيرة وتلقت دروسا فى اللغة حتى استطاعت النطق بلغة عربية سليمة، واشتلغت مع مخرجين كبار مثل عزيز عيد الذي  يعتبر أحد مؤسسي المسرح المصرى منذ بدايات القرن العشرين، وجدت طريقها إلى المسرح، ونبغت فيه حتى أصبحت النجمة المسرحية الأولى فى البلد.

كانت شديدة الذكاء، قوية الملاحظة، لديها إحساس طاغ بأنوثتها حتى فى هذه السن، ولست أدرى كيف اكتسبت هذه القوة فى مقاومة الأحداث وأعتى الرجال وكان لديها إحساس قوى بذاتها وبكرامتها، وفى هذا الوقت لم يكن لديها مشكلات مالية وكانت تدير المجلة بكفاءة عالية واختيارها لأحمد بهاء الدين لسد فراغ ابنها المحبوس دليل على كفاءتها فى الاختيار!

بالفعل كانت تفاجئنى بآرائها البالغة النضوج فى كتابات الكتاب الذين يكتبون فى المجلة أو فى غيرها من الصحف، وكانت تعيش حياة مطمئنة بشكل ما مع زوجها الذي ينحدر من صلب ذلك الرجل الذى دعا إلى تحرير المرأة فى السنوات الأولى من القرن العشرين، تسكن فى شقة جميلة فى الدقى على ما أذكر وتدعو إلى بيتها أحيانًا بعض العاملين معها أو الأصدقاء، وكانت ماهرة فى الطهو أيضًا وشغوفة بالحياة وكانت تملك سيارة أقرب ما تكون إلى الفخامة يقودها سائق قديم!

كثيرًا ما كنت بعد أن أنهى عملى أدخل إلى حجرتها وأصغى إلى أحاديثها، وكانت فى الحق ذات خبرة عميقة بالحياة الثقافية والسياسية فى مصر، كانت تعرف كل قصص العلاقات السرية بين رجال ونساء من النخب البارزة يدعون البراءة والنقاء، ولكنها كانت تقول ذلك فى صيغة النقد وليس فى صيغة التجريح، وكانت ملمة بتفاصيل الحياة السياسية وراء الكواليس، ومازلت نادمًا على أنى لم أفكر فى تدوين هذه الأحاديث البالغة الأهمية، على أننى أتذكر أن أحمد بهاء الدين قد نشر شيئًا من مذكراتها فى كتاب لكنه اهتم بالجانب السياسى والتاريخى أكثر من الجانب الاجتماعى والتجربة الذاتية وهذا شىء طبيعى باعتبار اهتماماته.

عشت فى روزاليوسف سعيدًا خاصة بسبب هذه المرأة الذكية الفاهمة وكنت قد تعرفت على زوجتى وخطبتها وكثيرًا ما كنت أتفق معها على أن تأتينى لنخرج معًا لحضور دعوة ما أو الذهاب إلى المسرح أو تناول العشاء، وعلى الرغم من أن دخلى من عملى هنا أو فى الإذاعة كان كبيرًا إلا أن مسئولياتى الكبيرة كانت تجعلنى أحتاج إلى قرض صغير أنفقه فى هذه الليالى الجميلة، وكان على أن أدخل إلى الست فى مكتبها وأطلب منها أن توافق على أن يصرف الصراف الجنيهات التى أريدها، وغالباً ما كانت توافق على أن تزجرنى غير جادة بشكل ما!

أعطتنى موافقتها المكتوبة للحصول على القرض ثم قالت لى مازحة: لست أدرى ماذا وجدت فيك هذه البنت الحلوة لتتعلق بك؟!

وكانت تحب امرأتى وترحب بها عندما تلتقى بها أثناء قدومها لنخرج معًا.

وما أكثر وأمتع الذكريات التى رواها أحمد عباس صالح عن سنواته فى روزاليوسف وصباح الخير.

وللحكاية بقية..