فى مذكرات بقلمه لـــ روزاليوسف
أسرار الحياة العاطفية لـ «العندليب الأسمر»

إعداد - سوزى شكرى
كان يقرأ عن نفسه فى الصحف أخبارا ليست صحيحة ومشوشة بعضها تسىء له والبعض الآخر يسىء للمقربين منه، رفض أن يحرر مذكراته صحفى أو كاتب مشهور وقرر أن يكتبها بنفسه، كتب عبدالحليم حافظ مذكراته أثناء رحلته العلاجية الأخيرة حين ابلغه الأطباء بأنه يعيش بـ10% من كبده وأنه فى مرحلة خطر.
وضع المذكرات تحت تصرف روزاليوسف لتكون الناشر الانفرادى لها، بشرط أن يتم النشر بعد وفاته، احترمت روزاليوسف رغبته، بعد وفاته في 30 مارس 1977 تم نشر المذكرات على صفحاتها أبريل 1977في عشرين حلقة متتابعة تحت عنوان «أسرار حياتى» بقلم عبدالحليم حافظ.
وفى الذكرى الـ44 وحفاظا على الأمانة التى حملها عبدالحليم لمؤسسة روزاليوسف اخترنا بعض أجزاء من المذكرات ليس فقط للاحتفاء به بل لنصحح ما هو متداول وشائع من أخطأ وافتراءات نسجها البعض من وحى خيالهم، وتحديدا فيما يتعلق بعلاقاته العاطفية، يصف حليم علاقاته انها ليست غراميات. هو كان يبحث عن الحب الحقيقى، يكشف لغز المرأة التى احبها وظل يبحث عن شبيه لها فى كل النساء، ما هى العلاقة التى ربطته بالفنانة سعاد حسنى، ويحكى عن خمس فتيات خطبهن ومذيعة رفضته، قصة الدبلة التى لم يخلعها حتى وفاته، وأخرى طلبت منه إجراء عملية تجميل بالأنف، ولماذا لم يتزوج.
أنا وإحسان عبدالقدوس
أول مرتب فى حياتى اشتريت حذاء وشراب وقماش بدلة وشوفت فيلم فى السيما لمحمد عبدالوهاب مع صديق رحلتى كمال الطويل، انفصلت من وظيفتى كمدرس بمعهد الموسيقى وذهبت للعمل بالإذاعة بمساعدة كمال الطويل كنت عازفا على «الابوا»، وبدأت صداقتى مع مجدى العمروسى، ومع رحلة الشهرة تعلمت اكون فى غاية الاناقة، نعم تعلمت من الملك الحسن وكمال ادهم أسرار الأناقة، مع كل حفلة كنت بشترى بدلة جديدة وكنت بضع أمام عينى شياكة صديقى احسان عبدالقدوس، اتعلمت منه البساطة، الشياكة أنك تكون مرتاح فى «البدلة» مش مهم لونها، بحثت عن طريقة فى الأناقة تناسبنى حتى اخرج من دائرة الذوق المنتشرة.
حكايتى مع لعبة «الكوتشينة»
اتعلمت اللعب فى الملجأ، وعرفت ازاى اكسب بذكاء وازاى كمان أخسر علشان اللى بيلعب معايا ما يزعلش ويتخانق معايا، وكسبت مرة الرهان كان على بنطلون، واستمرت فى محبة اللعبة بلعب «الكومى» بس، لعبت مع عمر الشريف وبليغ حمدى وصوفيا لورين فى لندن.
اللعبة فيها فلسفة الورقة الرابحة. احس عندما العب الكوتشينة مع نفسى أن هناك القدر يلعب معى من الناحية الأخرى، وورق الكوتشينة التى يرتبها القدر لى مغشوشة، عندما كنت أريد أن اقتل الخوف فى قلبى من النزيف، أو أريد أن انسى اننى بلا امرأة حقيقية احبها فأنا ألعب الكوتشيتة، والعب لأقتل الوقت وحاسس دائما أن حياتى على كف عفريت، وهذا العفريت هو القدر، لولا الكوتشينة فى حياتى لما وصلت إلى ما وصلت إليه، رفيقة طريقى، أحيانا افتحها لأعرف حظى، وقت الكوتشينة انتقم فيه من كل شىء، ورق يهزم ورق توتر يهزم توتر، صراع موجود أو غير موجود.
فكرت فى الزواج من أعطتنى دمها لتنقذنى
كنت أرحب بالصداقة، كان احساسى الوحدة همى بالحياة بجانب الكبد، قابلت «سهير» ابنة وزير سابق، فى فترة ما قبل أن تحصل ليلى على الطلاق من زوجها، فأنا لست رجلا خائنا، وبعد أن اقتربنا اسرتها رغبت تزويجها لشخص ثرى فانتهت علاقتى بها سريعا. كانت فتاة كالحلم اعجبت بها فهى على نقيض «ليلى»، وقتها كانت ليلى ما زالت على قيد الحياة، لا أعلم هل يمكن أن يقع رجل فى حب امرأتين فى وقت واحد. «مرفت» فتاة التاسعة عشرة وأنا في الثامنة والثلاثين وقلت لنفسى ستبقى صديقة فقط، وعندما هاجمنى النزيف واعطتنى دمها انقذتنى وفكرت بالزواج منها، إلا انى علمت أنها تحب شخصا آخر فأصبحت مثل أختى.
امرأة هى كل النساء
أنا بسعد الناس بالفن اعيش محروما من الحب، أقول لنفسى لا تخدع نفسك يا حليم فيه ناس كتير نفسهم يعيشوا معاك، وأرد على نفسى لكن أنا عايز واحدة احب أعيش معاها، اختارها تختارنى، مش لأنى عبدالحليم لأنى الإنسان العادى اللى نفسه فى حد يحبه.
فى ميامى بالإسكندرية 1958، اثناء وجودى فى البحر، رأيت فتاة على الشاطئ شعرت بالراحة وانا لم اتعود أن اتوقف عاطفيا أمام امرأة، ليس لأنى جاف القلب، بل لأن مشوار حياتى صعب وحريص جدا فى معاملتى مع المرأة، المرأة فى نظرى خانتنى دون وداع، أمى خانتنى دون وداع، وماتت دون أن أراها، «ليلى» وهذا ليس اسمها الحقيقى، امرأة جميلة عيونها زرقاء أو بنفسجية أو خضراء أو رمادية كأنى رأيت هذه العيون قبل ذلك، اخاف دائما من عيون المرأة احسست انى لأول مرة أمام عيون حقيقية.
مشيت وراءها وقلت لها: «وحشتينى»، ضحكت وقالت لى: «كده مرة واحدة»، رديت عليها: «ايوه كده مرة واحدة فيها ايه». اتفاجئت بكلامها انها متزوجة وعلى حافة طلاق وأم أولاد ومن اسرة كبيرة، وانا راجل فلاح لا يقبل أن يحب امرأة متزوجة، ولكن هل يسألك الحب ظروفك وظروف من تحبها مناسبة، وبعد ما حكت حكايتها قالت لى: «أنا حاسة عمرى قصير «. ورغم كل ذلك ظللنا نتقابل، فاجأنى والدها فى احدى الحفلات وأهاننى ولم ارد عليه بقسوة من أجل عيونها.
ومرت الأيام وغنيت لها وحدها « بتلومونى ليه لو شوفتم عينيه حلوين قد ايه هاتقولوا انشغالى وسهد الليالى مش كثير عليه»، هى المرأة التى عشت انتظرها. والتقينا مرة أخرى فى باريس بعدما اتمت الطلاق، واتفقنا على الزواج وعدت إلى مصر واستعدينا بشقة للزوجية وقامت بإعدادها بكل تفاصيلها ذوقها راقى، الحياة استكترت علينا البداية اصيبت بصداع وسافرت للعلاج مصابة بفيروس بالمخ، ماتت «ليلى» هى وحدها بقلبى كل امرأة بعد حبيبتى فيها من الوهم سمعت الكثيرات يقلن احبك لكنى لم اقلها لامرأة بعد ليلى.
سعاد حسنى ابنتى.. وزواجى منها شائعات
وفى عام 1964كانت الصحف تتناقل شائعات حول علاقتى بالفنانة سعاد حسنى اتعرضت لحملة كبيرة مدبرة فى الصحافة يقال إننى غدرت بسعاد حسنى واننى عذبتها وأننى الجانى عليها، واحنا فى المغرب بدأت الإشاعات وبدأت خيوط صداقتى مع سعاد تتمزق. سعاد حسنى فى هذه الفترة كانت زى «ابنتى»، نعم أنا الوحيد الذى وقف مع سعاد فى بداية حياتها، كانوا يريدون لها أن تكون ممثلة لفيلم واحد عندما بدأت حياتها الفنية، هناك بعض الذين يلعبون مع الوجوه الجديدة تظهر الفنانة فى فيلم واحد ثم الإهمال المميت، وكنت قد قرأت فى احدى الجرائد انها تلعب بطولة فيلم « حسن ونعيمة «، دققت النظر فى صورتها احسست انها فنانة ليست لفيلم واحد، وقتها رشحت سعاد لبطولة فيلم « البنات والصيف».
فؤجئت بالخبراء يقولون: «إنها تعذب من يعمل معها، وأنها غير منضبطة أمام الكاميرا، وسنحتاج إلى ضعف الفيلم الخام لأننا سوف نعيد لها التصوير»، إلا أنى اغلقت آذانى عن كل الآراء ورأيت فى سعاد حسنى شيئا آخر، طفولة قاسية مثل طفولتى وموهبتها تستدعى الحماية، وذكية لا تعرف الخبث، خفة دمها وجاذبيتها تسببان لها الكثير من المشاكل أنها جائعة للحنان، مثلى تماما، وأنا وصلت إلى مرحلة اليأس الكامل من أن يصل الحنان لى، أما سعاد فما زال أمامها الطريق.
لاحظت انها تعيش فى فوضى، فهى كالوردة البلدى الجميلة ولكن مليئة بالأشواك، كنت اختار معها الوان فساتينها، فقد تعلمت هذا الذوق من حبيتى «ليلى «، وهكذا اردت أن تكون سعاد، وعلمتها كمان لعب الكوتشينة.
الاتصال بسعاد حسنى أقرب إلى الجنون تليفونها دائما مشغول، إنها مثلى تشعر بالوحدة، كنت أفاجأ أن سعاد تأتى لتجلس معى صديقتى الحميمة فى هذه الفترة التى كنت فيها معذب بالنزيف ومهدد بالضرائب، وامتلأت الإشاعات أن بينى وبينها قصة حب، وكنت أفكر فى أن هذه الإشاعات تضر بها ولكنها لن تضرنى، كنت بفرح بكل كلماتها وحكايتها، وأتعذب حين تقول لى: «أنا خايفة من أيام زمان وعايزه أنساها»، عاشت سعاد طفولتها القاسية كانت بتروح المحكمة تشهد مع والدها ومرة تانية تروح تشهد مع والدتها، وكل واحد منهم يطلب منها كلاما ضد الثانى، وأجمل واحلى ما فى سعاد أنها لم تتخل عن أسرتها وترعى والدتها واخوتها، وماتت اختها صباح فى حادثة مؤلمة، أرى فى عيون سعاد كل شقاء العالم، احببتها كصديقة.
الأطباء رفضوا جراحة التجميل
كثرة الإجهاد والمرض غيرت ملامحى فأنا حزين معظم الوقت فتضخم أنفى كثيرا ودخلت عيونى فى جمجمتى وأصبحت هالات سوداء تزداد حول جفونى ولولا شعرى الطويل لازداد شكلى «وحاشة»، واسأل نفسى ماذا يعجب المعجبات فى شكلى لم اعد كما كنت شابا جذابا الملامح، كان وقوفى أمام المرآة يعذبنى.
فى بيروت عرفت «أميرة» انهت الخصام اللى بيني وبين نفسى ومع كثرة سفرى إلى بيروت اتكررت مقابلتنا، وعشت معها خمس سنوات وسألتنى عن قصة الدبلة الصغيرة المجدولة اللى فى صباعى الصغير والتى لم اخلعها، إنها دبلة حبيتى الراحلة «ليلى» فقد طلبت منى قبل موتها أنى لا اخلعها لأى سبب، وحين هاجمعنى النزيف اتبرعت لى «أميرة» بالدم لتنقذنى. ومع الوقت اتفجأت بيها بتقولى: «أنفك متضخمة ولازم تعمل تجميل انت هاتمثل فيلم جديد وشكلك قدام الكاميرا»، وسألت الطيب عن العملية قال لى إننا بخاف عليك من البنج فما بالك بجراحة، وتقبلت اميرة موقفى الطبى، إلا أن الخلافات زادت بينا بدأت مثل كل النساء بتلف وتدور على الزواج، وأنا لن اتزوج إلا بعد إتمام عملية تغيير الكبد.
المرأة الوحيدة التى رفضتنى
رأيتها فى العجمى وكنت أريد أن اتزوجها لولا التحاليل الطبية التى اثبت عدم قدرتى على الإنجاب، «سما» فتاة جميلة 23 سنة شخصية قوية تعمل مذيعة، قالت لى: «بتحبنى لو أنا عندك رقم تلفون، أنت البنات عندك زى ورق الكوتشينة، تلعب بيهم وتلمهم آخر الليل وتشيلهم فى درج ذكرياتك»،
كلماتها مؤلمة، وطلبت منها نتجوز، قالت لى أنت مش بتاع جواز مش لأنك مريض لا لأنك سجنت نفسك فى من زمان وبتحب الوحدة، خلعت من اصبعى دبلة من الدبل المجدولة قالت لى: فى خمس نساء كل واحدة منهم فى إيدها دبلة منك»، صدمتنى بصراحتها وجذبتنى، فعلا هما ابنة الوزير السابق، ودبلة أميرة «بيروت»، ولؤلؤة «الأميرة العربية مجتمع الاغنياء غير مريح، والأخرى فى المغرب، والدبلة الأولى ملك ليلى حبيبتى، طلبت أن نكمل أصدقاء فقط، أول مرة أشعر أنى بقيت مطرودا ومرفوضا.
أنا لست مخادعا، عشت عمرى طالبا الراحة والحنان وادعاءات غراميات حليم غير صحيحة عشت رحلتى مع المرأة والموت والحب والعلاج وقسوة القدر، عرافة فرنسية قالت لى: «الحب يا بنى تقابله وتسعد به، ولكن احذر ألا تتسرع بالزواج، لو تزوجتها ستتضاعف سعادتك، وأى لحظة تردد يمكنك أن تعيش أسير الندم طول العمر»، وأنا عشت حالات تردد وكان قلبى موعود معايا بالعذاب.