الإثنين 18 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
من جديد من نحن؟ «2-1»

من جديد من نحن؟ «2-1»

يثور السؤال دائما مع أى حدث يتعلق بالفراعنة أو الحضارة الفرعونية وأسرارها التى لم تكتشف كلها بعد، هل مصر عربية أم فرعونية؟ وينقسم المثقفون بين رأيين أحدهما يؤكد عروبتها والبعض الآخر يراها فرعونية الأصل والثقافة، وقد تجدد السؤال هذه المرة مع الافتتاح المبهر لمتحف الحضارة الذى أبهر العالم، وأضاف إنجازا جديدا ضمن إنجازات العهد المبارك بقيادة الرئيس السيسى الذى يخطط لدولة مستقبلية تواكب التطور العالمى فى التخطيط والعمران والمشروعات التى تخدم المواطن وتيسر حياته وقد ظهرسؤال الهوية المصرية قديمًا فى بدايات القرن العشرين، مستندًا إلى رؤية عامة عن الهوية الثقافية للمواطنين المصريين باعتبارها وحدة، لكن التصورات المختلفة عن هذه الهوية اقترنت بخطابات سياسية متصارعة. 



فى كتابه يقدم «تيموثى ميتشيل» أستاذ الثقافة الشرق أوسطية والذى عنونه باستعمار مصر رؤية تربط الحداثة فى السياق المصرى ربطًا وثيقًا بالاستعمار.

 فيقول أسهم الاستعمار بشكل كبير فى استيراد آليات الضبط الاجتماعى المباشر وتطوير مؤسسات الدولة والقانون، إذ لعب الإنجليز دورًا مهمًّا فى تأسيس نظام قضائى حديث مختلف عن النظام القضائى التقليدى الذى كان قائمًا منذ العصر العثمانى.

 كذلك أسهم الاستعمار فى نشأة الشعور الوطنى وتطوير نزعات انتماء عند المصريين كى يعارض بها الآخر المستعمِر.

بمعنى أن الاستعمار كان يرى فى سكان المستعمرات مادة للتشكيل والتطوير، وعندما نشأت الحركة الوطنية المصرية فى تفاعل مع الاستعمار، أعادت تبنِّى الخطاب نفسه، وأنتجت ذات التصور عن الجماهير.

 وإذ حاول الاستعمار تحسين السكان من أجل «تمدينهم» وتحقيق إنسانيتهم، حاول القوميون بإصرار، وبعنف أحيانًا، إعادة السكان داخل حدود هويتهم المنسية ويرى بعض المثقفين أنه لفهم قصة سؤال الهوية المصرية ضرورة العودة إلى الخطاب الاستعمارى فى منتصف القرن التاسع عشر، الذى أنتج رؤية مفادها أن الآخرين، غير الأوروبيين وسكان المستعمرات، بشر غير متحضرين ينبغى تحسينهم أخلاقيًّا وماديًّا، ومن ثَم دفعهم للدخول إلى المسار التقدمى للتاريخ، والفلاحون والنساء فى الحالة المصرية كانوا الأكثر عرضة لخطابات التحسين هذه.

 والحقيقة أن النزعة القومية المصرية نشأت أساسًا معادية للاستعمار وكانت الدولة القومية منذ نشأتها مرتبطة بالتاريخ، ليس فقط لمحاولة إيجاد جذور فى تاريخ مشترك ولغة مشتركة، ولكن من أجل تعريف موقع الأمة من العالم والآخرين. 

استحوذت ثورة 1919على الأثر الأكبر فى تكوين ما يمكن الاصطلاح عليه اليوم بـالخطاب القومى الحديث فى مصر، وأثرت عدة عوامل فى صياغة هذا الخطاب فى المجال السياسى، إذ اقترنت النبرة المعادية للاستعمار بموقف يرى فى الآخر الأوروبى مثالًا متحضرًا ينبغى السير على خطاه.

 وفى هذه الفترة كتب طه حسين يدعو إلى الانسياق نحو الحداثة الأوروبية بوصفها أفضل ما أنتجت البشرية، طالبًا أن نسير سير الأوروبيين، ونسلك طريقهم لنكون لهم أندادًا، ولنكون لهم شركاءً فى الحضارة خيرها وشرها، حلوها ومرها، ما يُحَب منها وما يُكرَه، أو يُحمَد منها وما يُعاب.

 فإذا كنا نريد هذا الاستقلال العقلى والنفسى الذى لا يكون إلا بالاستقلال العلمى والأدبى والفنى، فنحن نريد وسائله بالطبع، ووسائله أن نتعلم كما يتعلم الأوروبى، ولنشعر كما يشعر الأوروبى، ونعرف الحياة كما يعرفها الأوروبى.