الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
محمود السعدنى والمذيعة الكركورة!

محمود السعدنى والمذيعة الكركورة!

مسافر بلا متاع «واحد من أجمل وأمتع وأعمق كتب استاذنا الكبير «محمود السعدنى»، ورغم أن الكتاب صدر عام 2000 «الفن» إلا أنك تشعر أنه مكتوب منذ أيام قليلة. من أمتع مقالات الكتاب مقال «أهلاً رمضان» قال فيه بحكمة السنين وتجربة العمر كتب يقول:



فى إحدى القنوات الفضائية شاهدت برنامجًا بين مذيعة «كركورة» من بتوع هذا الزمان وبين رجل مسن تعدى السبعين منذ سنوات، وكان الحوار عن شهر رمضان أيام زمان، وخير شهر رمضان أيام زمان ومتعة رمضان أيام زمان، ثم الفارق بين رمضان زمان ورمضان هذا الزمان!! حيث أصبح رمضان الجديد يأتى ويروح دون أن يشعر به أو يستمتع بأجوائه التى كان يحس بها أيام زمان!

والغريب أن المذيعة الكركورة عامت مع الموج ووافقت على كلام العجوز وأبدت أسفها لأنها  لم تدرك أيام زمان ولم تستمتع بمباهج زمان!!

 هل كان الرجل العجوز يكذب بالتأكيد لا، ولكنه أخطأ التحليل، فرمضان زمان كان أمتع وأحسن ولكن لأسباب أخرى لم يستطع إدراكها الرجل العجوز!

فزمان كانت شوارع المدن مظلمة، فإذا جاء رمضان اشتعلت الشوارع بالنور، نور من بتاع الحكومة، ونور قطاع خاص على حساب الناس، ولذلك كان رمضان فرصة عظيمة أمام العيال والصبية الصغار فى ممارسة اللعب حتى ساعة متأخرة من الليل!!

وفى غير رمضان كان راديو القاهرة ينهى إرساله فى الحادية عشرة مساء، ولكنه فى رمضان كان يواصل إرساله حتى الفجر!

وكانت المحلات العامة تغلق أبوابها فى منتصف الليل بالضبط، وكان عساكر زمان بتوع الضبط والربط يحرصون على تنفيذ الأوامر، فلا تجد دكانًا مفتوحًا بعد منتصف الليل بثانية، أما فى رمضان فالشهر مباح والقهاوى منورة وعامرة حتى الصباح!

وفى غير رمضان أيام زمان كنا نحرص ونحن فى أيام الصبا على الذهاب إلى العتبة الخضرا لكى نتناول طبقًا من الكنافة من محل الحاج «صبحى» فى شارع عبدالعزيز، وكان هذا اليوم من أول كل شهر يعتبر عيدًا سعيدًا لنا نحن أطفال ذلك الزمان، زمن الثلاثينيات والأربعينيات حتى فى الخمسينيات (من القرن الماضى).

كنا نحن أبناء الموظفين والعمال لا نحلم بأكل اللحمة مرة كل أسبوع، وأصحاب الحظ السعيد يأكلونها مرتين كل أسبوع، أما فى رمضان فكان اللحم طبقًا رئيسيًا على مائدة الإفطار كل يوم، لذلك كانت بهجة رمضان أعظم ولذته أكبر، وكان الفرق واضحًا بين رمضان وغيره من الأشهر والأيام.

أما الآن فلا يوجد فرق بين رمضان وغير رمضان، الشوارع منورة ليلاً ونهارا أيضًا والقهاوى مفتوحة على مدى الأربع والعشرين ساعة بلا نقطاع، الإذاعات المحلية والعربية والدولية لا تكف عن الإرسال، والقنوات التليفزيونية الفضائية العربية والدولية مفتوحة على ودنه، مسلسلات على برامج على أخبار على مباريات، ومحلات الكنافة أكثر من محلاب اللب، لم تعد لرمضان مباهج يختص بها وليس لها وجود فى غير رمضان أصبحت كل شهورنا رمضان، ولم نعد نحتاج للذهاب عند شاطئ النيل لنشاهد إطلاق مدفع رمضان. ورمضان كريم.