الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
مناشدة توفيق الحكيم: أنا مفكر ولست روائيا أو مسرحيا!

مناشدة توفيق الحكيم: أنا مفكر ولست روائيا أو مسرحيا!

قبل رحيل الأديب الكبير توفيق الحكيم صيف عام 1987 كان قد توقف عن الكتابة إلا نادراً، وصدر آخر كتاب له «شجرة الحكم السياسى، نصوص سياسية عام 1985 وقبل ذلك بعام واحد سنة 1984 بدأ فى نشر حلقات ممتعة عنوانها «خريف العمر» كانت عبارة عن حلقات نشرتها مجلة الوطن العربى التى تصدر فى باريس من إعداد الاستاذ نبيل مغربى ولا أظن أنها صدرت فى كتاب حتى الآن.



وخريف العمر هي العمل الثالث الذى يروى فيه الحكيم بعض ملامح سيرته الذاتية بعد أن أصدر «زهرة العمر» سنة 1943 و«سجن العمر» سنة 1964.

فى حلقات خريف العمر يكشف الحكيم عن سر أدبى خطير وأمنية كان يتمناها طول عمره فيقول: يقولون إن توفيق الحكيم هو نسيج وحده، فلقد كتب فى كل شىء فى الرواية والمسرحية والقصة والمقالة والفكر، وأنا فى الواقع لست نسيجا وحدي، ولا أحب هذه التسمية، وإنما مفكر مختلف فى شىء أساسى هو الشمولية، مفكر هذا هو اللقب الذى أحب أن يطلقوه علىّ وينادونى به فلقد دعيت مرات متعددة الى مؤتمرات اليونسكو ووجدت فى مواجهتى كتابا ورجال سياسة واختصاصيين فى شتى مجالات العلوم وكانت الدعوات الى المشاركة فى هذه المؤتمرات توجه بالاسم على أساس شخصي وليس إلى البلد!!

وقلت فى أحد المؤتمرات إلى السكرتير العام الذى كان يدير الجلسات: أحب أن أعرف لماذا دعوتمونى إلى هذا المؤتمر؟! وبأى صفة أشارك فيه؟!

وكنت أريد أن أعرف هل هم دعونى مثلا بصفتى كاتب مسرحية أو كاتب رواية أو ى شىء من هذا القبيل؟! ولقد أجابنى مدير الجلسات بكلمات ما زلت أتذكرها بالنص: لقد وجهنا إليك الدعوة بصفتك مفكرا!

وسكت قليلا إن كلمة مفكر أعجبتنى ووجدتها تنطبق علىّ لا لشىء إلا لأننى أعتدت أن أعرض كل شىء يجول فى خاطرى على «فكرى» لكى يحلله ويناقشه تحليلا ومناقشة علميين ثم أجبت: لا يمكننى أن أعترض على هذه الصفة، ولو وجهتم إلى الدعوة بصفتى كاتبا روائيا أو مسرحيا لاقترحت عليكم وقف دعوتى إلى مثل هذه المؤتمرات!!

وأنا لست مفكرا محترفا بمعنى أن كتبى لا تعالج كلها مواضيع فكرية بحتة، كلا إنى مفكر بمعنى آخر أى بكل بساطة إنى رجل يفكر مثل أى رجل يأكل أو يجرى، والفكر عندى ممارسة يومية، فلا بد أن أمحص كل ما يجرى أمامى أو يدور حولى وأناقشه، وأحلله!

ولذلك فأنا أرفض أن يصنفونى فى قوالب جامدة فيقولوا عنى أنى كاتب مسرحى أو فليسوف أجل إنى أرفض مثل هذه التسميات لأنها تنتزع عنى شمولية التفكير بالمعنى الذى أشرت إليه، ولأنها تضعنى فى إطار ضيق من التخصص، وأنا لا أعتقد أنى متخصص إلى الدرجة التى يتصورون صحيح أنى كتبت أعمالا كثيرة فى المسرحية لكن هذا ليس كافيا لأن يحصرونى فى إطار مسرحى ضيق!!

واسمح لنفسى أن أكرر أقوالى هذه بعض الشىء لكى أضع حدا نهائيا لمحاولات تصنيفى وإطلاق تسميات علىّ أعارضها بشدة وقد أفعل هذا للمرة الاخيرة بهذا الوضوح والحزم. أطلقوا علىّ الآن ومن بعدى لقب المفكر وليس الكاتب أو الاديب أو الفيلسوف المفكر لأنى لا أستعير قط فكر غيرى وأجاريه من دون تمحيص.. كلا هذا ليس ممكنا لأنه لم يحدث لى قط أن مشيت وراء «تفكير» الاخرين قبل أن اقتنع شخصيا، والاقتناع يجب أن يأتى عن طريق فكرى وحده..

ولذكريات الحكيم بقية!!