الثلاثاء 16 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
أسمهان بقلم يوسف وهبى!

أسمهان بقلم يوسف وهبى!

منذ حوالى 77 سنة رحلت الفنانة والمطربة «أسمهان» فى حادث مأساوى وهو غرقها، ولا تزال الحادثة تثير تساؤلات وعلامات الاستفهام.. وفى تلك الأيام كان خبر موتها غرقًا هو الموضوع الأولى والأبرز لمجلات وصحف تلك الأيام.



وجدت بين أوراق مقالا قديما للفنان الكبير «يوسف وهبى» عنوانه «أسمهان كما عرفتها» منشورا فى مجلة الاثنين والدنيا مليئة بالأسرار والحكايات قال فيه:

أود أن أتحدث للقراء عن أسمهان كصديق وزميل ورجل علمته مهنته دراسة النفوس البشرية وتصويرها على المسرح أو على الشاشة البيضاء «من هى أسمهان؟!».

فتاة ساذجة طيبة القلب مرحة طروب، تحب الناس وتحب الحياة، الكل فى نظرها أصدقاء، والجميع أحباء لم تعرف فى حياتها كلمة الحسد ولم تشعر بضغينة المنافسة وما سمعتها يومًا تذكر إنسانًا بغير كلمة صديق، إذا ما جالستها حدثتك حديث الود والأخوة، حتى تشعر إذا كانت مقابلتك لها الأولى إنها تعرفك من سنين، كانت اسمهان كريمة النفس لم تفكر يومًا فى إساءة أحد أو تلحق ضررًا بأحد.

عملت معى فى فيلمها الأخير «غرام وانتقام» كما تعمل أصغر ممثلة، فلم أسمعها تعصى أمرًا أو تعارض ملاحظة مهما كانت شديدة، بل كانت دائمًا أول الملبين لنداء المخرج، كانت تجالس الصغير والكبير، وتمازح العامل والممثل وفتاة الكومبارس، بل إنها كثيرًا ما تساعد صغيرات الممثلات فى تصفيف شعورهن، وتعاونهن على ضبط الماكياج وإصلاح ثيابهن. كانت كريمة تدفع كل ما معها عن طيب خاطر فى الخفاء لمن تشعر أنه فى حاجة إلى معونتها، ماتت أسمهان ولم تخلف وراءها ثروة فأين ذهبت هذه الألوف التى وصلت إلى يديها؟ هل كانت مقامرة أو مضاربة فى البورصة؟ لا.. ولكن هناك المطاعم الشعبية والأسواق الخيرية فى سوريا ولبنان كانت اسمهان ترعاها!

قالت لى قبل مصرعها بأيام، أمنيتى أن تكون لى ثرورة متواضعة وأن أعتزل عملى بعد بضع سنوات، فأقيم فى دار أنيقة تحيط بها مزرعة جميلة، فأداعب زهورها وأعيش كما يعيش الفلاح البسيط.

كان صوت الفقيدة من الأصوات النادرة التى تصلح للأوبرا وكانت قوية الشخصية والجاذبية، شديدة الذكاء حاضرة الذهن تستذكر الأغنية فى دقائق، وكانت لا تبخل بصوتها فتغرد لمن يطلبه! كنا نعمل بالاستديو يومًا شديد الحر.. وقد اجتمع حوالى الثلاثمائة شخص أصيبوا بالممل والضيق من شدة الحر وقوة الأنوار الكهربائية ولاحظت أسمهان ذلك فجلست بينهم وأخذت تغنى إلى أن نسوا ضيقهم وعاد النشاط إليهم.

وفى أيامها الأخيرة كانت تشعر بانقباض عجيب، وعندما تلقت من وزارة الداخلية إنذارًا بمغادرة مصر فى 28 أكتوبر المقبل، قدمت لى الخطاب بيد مرتجفة قائلة: 

ماذا فعلت؟ وإلى أين أذهب؟ ماذا سيكون مصيرى؟ مصر هى بلدى وبها مكانى.. ألا يوجد غير أسمهان يقولون عنها أجنبية خطرة.

وفى آخر يوم دخلت فيه الاستديو كانت تلاحقنى سائلة: هل انتهى الفيلم؟ ثم تقول لى إنها تخاف شيئًا لا تدركه وابتسمت قائلة: يا ترى حاشوف حفلة الافتتاح وإلا حيخرجونى من مصر قبلها؟

ترى هل كانت تشعر بأنها ستودع هذا العالم الفانى؟ لقد طلبت قبل أن تغادر الاستديو فى هذا اليوم أن تؤخذ لها صورة تذكارية مع جميع الموجودين.

ولما رجوت منها العدول عن السفر إلى رأس البر قالت لى: من يدرى قد لا أراها مرة أخرى؟! وكلما أنكرت عليها هذا الميل للتشاؤم ابتسمت ابتسامة كنت أفهم معناها، كانت ترتسم على شفتيها قبل أن تبكى.

انتهى المقال البديع الذى يعود تاريخه إلى يوليو 1944.