السبت 16 أغسطس 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
التواصل الاجتماعى والتفكك المجتمعى

التواصل الاجتماعى والتفكك المجتمعى

لعل أخطر ما نتج عن استخدام شبكات التواصل الاجتماعى وظهور التقنيات الحديثة تعامل المواطن  مع أجهزة الكمبيوتر أكثر من تعاملهم مع بعض وأدى هذا إلى نشوء ما مكن أن نسميه بخلق معاناة نفسية كبيرة، ظهرت فى سلوكيات الأفراد وخاصة من لهم طبيعة مادية أكثر من غيرهم، وأتاحت التواصل بين الأفراد فى بيئة مجتمع افتراضى يجمعهم حسب مجموعات اهتمام أو شبكات انتماء من خلال خدمات التواصل المباشر، مثل إرسال الرسائل، أو الاطلاع على الملفات الشخصية للآخرين، ومعرفة أخبارهم ومعلوماتهم التى يتيحونها للعرض، كما تضم مواضيع خاصة وعامة من كتابات وصور وأفلام ودردشات وتعارف حيث تتيح شبكات التواصل الاجتماعى على اختلاف أنواعها إمكانية التواصل؛ مما يجعلك تشعر دائمًا بأنك على اتصال بمجتمع أكبر، لكن هذا التواصل العارض السهل فى نطاق البيئة الإلكترونية  كانت له جوانبه السلبية وأثرت كثيرا  على الأخلاقيات والقيم وأدى ذلك بالتبعية الشعور الوهمى بالاتصال تدهور التواصل الأسريالإهمال بالواجبات الأسرية الإدمان وانخفاض الإنتاجية وقتل الإبداع والأخطر التناقض فى الشخصية بين موقف وآخر   ولكن أخطر تأثيراته كانت على القيم الأخلاقية والاجتماعية  حيث أحدث تغييرا كبيرا عليها، بحيث أصبحت لهذه الشبكات قوة لها أبعادها الاجتماعية بمقدار ما لها من قوة سياسية واقتصادية وثقافية، والأخطر أن مواقع التواصل اصبحت تنقل المعلومات والصور والتصريحات  والاتجاهات، ومن خلال نشاطها الاتصالى يتم نقل العادات والتقاليد ويتم تعزيز القيم السائدة فى المجتمع كما تقوم بهدم قيم وخلق قيم جديدة.



أصبحت وسائل التواصل الاجتماعى  بمثابة أشعة مقطعية على الأخلاق فى مجتمعاتنا، ومرآة كاشفة للمخفى من الميل الأخلاقى بشكل كامل، وفاضحة للكبت الذى تعيشه هذه المجتمعات وحالة الانجراف الأكبر وراء ما تعرضه هذه الشبكات من خدمات تشوش على الناس القيم الأخلاقية، وذلك من خلال كيفية انتقائهم ما يودون إطلاع الآخرين عليه.

كذلك ظهر  تطبيق أحدث  لكنه أخطر  يطلق عليه «تيك توك»، يتجاوز جميع ما سبقه من تطبيقات من حيث هدم الحدود، إنه ليس تدميرًا للخصوصية فقط وإنما هدم لأى معيار يعتزم أهل التربية والثقافة وضعه تجاه موجات مواقع التواصل الاجتماعي، حتى إن هذه المواقع  ضربت  فى عمق الهوية الأخلاقية لمستخدميها.

لنفترض مثلا أن استاذا  أكاديميًا أو مثقفًا مستخدما لهذا التطبيق سيتحول تدريجيًا إلى شخصٍ معتوه متقافز حسب المجال التقنى الذى يتحرك فيه ولكم أن تتخيلوا الشتات الذى سوف يحل بشخصه إذ سرعان ما يتحول تلقائيًا إلى ترس فى آلة التقنية هذه، ويعاد رسم هويته وشكله وطرحه، كل هذا يستوجب منا وقفة تأمل ودراسة فكثير من المجتمعات بدأت تتحرر من انغلاقها، والممنوع على التلفزيونات والسينما أصبح متاحا ومباحا على شبكات التواصل الاجتماعى.

التقنيات الإلكترونية الحديثة أبرزت أمراض المجتمعات العربية أخلاقيا، بل إنها أظهرت حالتها المرضية الشديدة التى أضحت تحتاج بالضرورة إلى أطباء نفسيين مخلصين، يضعون لها خطة النجاة لما تبقى من موروثها الأخلاقى..

 المتابع لما يحدث على مواقع التواصل الاجتماعى، سواء ما كان منها على مستوى النشر أو على مستوى التفاعل، يلاحظ وجود فوارق كبيرة بين المتفاعلين فيها والتعاطى معها، تبعا للمستوى الثقافى والأخلاقى والدينى لهم، حيث كل يعمل على شاكلته، عاكسا مستوى البيئة المنحدر عنها. وهناك  ملاحظة أساسية حيث تفتح تقنيات الشبكات الاجتماعية نوعا جديدا من الفضاء الأخلاقى، فتُنشأ الهويات الشخصية والمجتمعات (الحقيقية) والافتراضية، بحيث أصبح العالم مفتوحا على بعضه بلا أية محاذير أو موانع وهذه خطورة أخرى سوف تأتى بتداعياتها مستقبلا.