الجمعة 16 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
جرائم فى حق الوطن

جرائم فى حق الوطن

سقوط عصابة الآثار الكبرى التى يتزعمها نائب «الجن والعفاريت» ويمولها رجل أعمال شهير، بعد أيام قليلة من الكشف عن محتويات مغارة «على بابا» فى شقة الزمالك، تبعث برسائل حاسمة لا تقبل التأويل أن الدولة المصرية فى عصر الجمهورية الجديدة تتصدى بكل حسم وحزم لمخططات نهب ثروات الوطن، والعبث بكنوزه ومقدراته، ولن تتهاون مع الفاسدين والمتخاذلين، وأن سيادة القانون هى الحكم بين الجميع دون تمييز بين غنى أو فقير، مواطن أو مسئول، إيمانا بأن جميع المواطنين متساوون أمام القانون.



ما يردده المواطن البسيط فى جلسات النميمة فى الشارع وعلى المقاهى، وما تكشف عنه التحقيقات فى قضايا الفساد الكبرى، أو عمليات نهب وتهريب آثار مصر إلى خارج البلاد، تؤكد أن تلك الجرائم لا تتم دون أن يكون خلفها مسئول ذو نفوذ، مات ضميره، وخان وطنه، وجرى وراء نزواته، متبعًا خطوات الشيطان لتحقيق الثراء السريع، بعدما سيطر هذا الهوس على عقول فئة قليلة من البسطاء والأغنياء، لديهم استعداد لبيع أنفسهم ووطنهم مقابل المال، بعدما وصل إلى يقينهم أن قطعة آثار واحدة تكفى لتأمين مستقبل أجيال متعاقبة من عائلة واحدة.

فى بر مصر، ترتكب يوميا مئات الجرائم فى حق الوطن، فلا توجد قرية أو عزبة أو نجع، إلا ويجوب شوارعها لصوص الآثار والنصابون والدجالون والمشعوذون، يجيدون استخدام أدوات النصب، يركبون سيارات فارهة، تفوح منها رائحة العطور الفرنسية، والبخور المغربية، ويروجون أنهم مسنودون من شخصيات مهمة، بهدف ترهيب المواطنين البسطاء، وإخضاعهم للابتزاز، يصطحبون معهم أجهزة حديثة للتصوير ثلاثى الأبعاد للكشف عن الكنوز المدفونة تحت باطن الأرض، يقوم بتشغيلها أشخاص يدعون أنهم خبراء آثار لإعطاء المصداقية للجرائم التى يرتكبوها فى حق الوطن، وغالبا ما تتم أعمال الحفر العميق للتنقيب عن الآثار تحت جنح ظلام الليل، داخل المنازل القديمة، والتى تتسبب فى انهيار تلك المنازل والمنازل المجاورة، مما يؤدى إلى سقوط عشرات الضحايا، فضلا عن إيهام أصحاب تلك المنازل بضرورة ذبح أطفال أو نساء أو حيوانات كقرابين مع إشعال أنواع نادرة غالية الثمن من البخور المغربية، بزعم إرضاء الجن المسئول عن حراسة المقبرة.

ولكن السؤال الذى يطرح نفسه، ما الذى شجع اللصوص والدجالون والمشعوذون لنهب ثروات ومقدرات الوطن سواء بالتنقيب عن الآثار أو بيعها والاتجار فيها؟.. الإجابة ببساطة شديدة أن عقوبات التنقيب على الآثار الموجود فى قانون حماية الآثار ليست رادعة لأصحاب النفوس الضعيفة، فضلا عن أنهم استغلوا الثغرات الموجودة فى القانون، وتعارض العقوبات مع حكم قضائى رسخ لمبدأ أن عمليات التنقيب عن الآثار تخرج عن دائرة التجريم طالما تمت فى أرض ليست ملكا للدولة، أو منطقة ليست أثرية، وبالتالى فإن قيام المتهم بالحفر فى منزله للتنقيب على الآثار غير كافٍ لإدانته، فالأرض ليست أثرية، ولم يصدر قرار من وزير الآثار بأنها ضمن منطقة أثرية.

ورغم التعديلات الكثيرة التى جرت على قوانين الآثار منذ المرسوم الأول الذى صدر عام 1835، والتى تؤكد أن الآثار ملكية عامة لا يجوز تملكها أو حيازتها أو التصرف فيها، إلا أن عقوبات التنقيب والاتجار فى الآثار لم تكن رادعة للصوص والدجالين والمشعوذين، وعلى مجلس النواب إجراء تعديلات على قانون حماية الآثار لتغليظ العقوبات لتصل إلى الإعدام، فنهب ثروات وكنوز الوطن وتهريبها للخارج لا تقل خطورة عن جرائم الإرهاب.