الجمعة 19 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
حارس مرمى.. وناقد كروى!

حارس مرمى.. وناقد كروى!

مرة واحدة فقط مارس فيها الأستاذ الكبير «توفيق الحكيم» كرة القدم، ولعب فى مركز حراسة المرمى لكنه اعتزل إلى الأبد!



كان توفيق الحكيم أيامها طالبًا فى كلية الحقوق ويقيم بمفرده فى حى شبرا وكان يجاوره فى السكن زميله فى الحقوق «حلمى بهجت بدوى» أصبح فيما بعد وزيرًا للتجارة والاقتصاد وهو الذى قام بإغراء «توفيق الحكيم بلعب كرة القدم، حيث كان «حلمى» من عشاقها ويلعبها فى أرض فضاء خارج الكلية.

ويقول توفيق الحكيم: كنت أجتاز هذا الفريق المتحمس للكرة الشراب عند انصرافى من المدرسة دون أن أتوقف لألقى عليهم نظرة، إلى أن كان ذات عصر وجدت «حلمى بهجت بدوى» قد اعترض طريقى وقال لى: «تعال قف حارسًا للمرمى فى فريقنا لأنه ينقصنا واحد!

فلما اعتذرت بقولى: إنى لا أعرف هذه اللعبة!

قال: إنها من أسهل الأمور، وما عليّ إلا أن أقف بين حجرين يمثلان المرمى وأمنع الكرة من الدخول بينهما!

وقبل أن أجيب كان قد أحاط بى هو وفريقه ووضعونى وسط مرماهم، ودار اللعب أمامى حامى الوطيس وتلاطم موج المتزاحمين من الفريقين، وجعلوا يتدافعون بالمناكب ويتقاذفون الكرة بالأقدام.

واحتدم اللعب وعلا واشتد الضغط على المرمى الذى أنا حارسه، وانتشر التراب فوسخ الثياب، وثار الغبار فأعمى الأبصار وملأ الخياشيم، فتركت المرمى إلى من ينعاه ورحت أسب مثل هذه اللعبة السخيفة، وأسخر من لاعبيها، ما من واحد منهم قد فطن فى زحمة الهجمة والمعمعة إلى أن المرمى خال خاو ولا حارس له إلا الله.

على أن  عين «حلمى بهجت» لم تلبث أن لمحتنى فأقترب منى وقال: أرجوك المسألة جد وتهمنا، ولا يصح أن نهزم أمام الفريق الآخر.. وانت حارس مرمانا!

فأثر قوله فى نفسى ونهضت قائلاً: له: اطمئن لن نهزم أبدًا ولن تدخل الكرة مرمانا أبدًا!

ووقفت فعلاً بين حجرى المرمى ولكنى أمام هجمة من الفريق كنت أزحزح الحجرين بعيدًا دون أن يشعروا وأصبح بذلك مرمانا متحركا لا يمكن أن تصل إليه كرة الخصوم أبدًا.

ومرت الأيام والسنوات وبدأ «توفيق الحكيم» يسمع ممن حوله عن إذاعة مباريات كرة القدم بصوت المعلق «محمود بدر الدين» حيث كانت الجماهير تتابع بشغف تعليقه ووصفه للمباريات عبر الإذاعة.

وكانت المفاجأة أن يكتب الحكيم مقالاً مهمًا فى صحيفة «أخبار اليوم» عن الكرة جاء فيه على لسان «عصا الحكيم»: اجمع هواة كرة القدم ممن يشاهدون المباريات الدولية التى تجرى بين الفرق المصرية والأجنبية على ظاهرة بعينها هى أن مصر تملك لاعبين من الطراز الأول، لو أنك أخذتهم فردًا فردًا لتبين أنهم أمهر وأبرع فى الغالب من زملائهم الأجانب، وكل منهم يأتى بالمدهش المعجب فى حلبات اللعب، ولكن هؤلاء الأفراد الممتازين إذا انتظمتهم المجموعة أى ما يسمونه «التيم» وواجهوا المجموعة الأخرى فسرعان ما يظهر ضعفها أمام «التيم» الأجنبي».

ويرد الحكيم: السبب واضح أن التيم المصرى كل فرد فيه يلعب مستقلاً عن المجموعة وتطغى عليه براعته الخاصة فيتصور أن فى إمكانه أن يقذف الكرة إلى الهدف بقدمه وحدها.. ويؤدى ذلك إلى ضياع الرابطة بينه وبين زملائه اللاعبين وإلى اختلال النظام الذى يجعل منهم وحدة متسقة فإذا الفريق مفكك واللعب مرتجل والمصادفة هى التى تقرر النجاح أو الفشل، فى حين أن «التيم» الأجنبى كل فرد فيه يرى الفخر فى أن تحصل المجموعة كلها على النصر دون النظر إلى السبب فيه!

وعلى لسان العصا يقول الحكيم: تلك هى سمات المجتمع الراقى بنيان مرصوص يشد بعضه بعضًا، وأن أبناء هذا المجتمع المتين تظهر فيهم صفات التعاون والتعاطف جدوا أو لعبوا فتقودهم إلى الفوز المبين.

هل تصدق أن مقال الحكيم منشور فى يوليو سنة 1950 أى من 71 سنة تصور!