الخميس 25 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ذكريات أحمد بهاء الدين وفتحى غانم!

ذكريات أحمد بهاء الدين وفتحى غانم!

كل فترة تمر اكتشف شيئًا جديدًا فى حياة الأستاذ «أحمد بهاء الدين» فى عالم الصحافة والشعر.. وهذه المرة جاء اكتشافى عبر مقال رائع للأستاذ الروائى الكبير «فتحى غانم» وعنوانه: «أحمد بهاء الدين صديقًا» وفيه كشف الأستاذ فتحى غانم عن سر يذاع لأول مرة وهو محاولة الأستاذ بهاء لكتابة القصة القصيرة!!



يروى الأستاذ فتحى غانم الحكاية بقوله: «صداقتى مع أحمد بهاء الدين لها ذكريات تفيض حيوية تلازمنى منذ حوالى نصف قرن ولا تغيب عن خاطرى أبدا، فمنذ رأيته وتحدثنا معًا أيقنت أنى عرفت هذا الإنسان النادر الصديق، كان اللقاء فى نهاية الأربعينيات - قبل الثورة  ثورية يوليو 1952 - شابان تخرجا حديثا فى كلية الحقوق وجمع بينهما العمل فى إدارة تحقيقات وزارة المعارف، وكنت أقرأ التاريخ وأتابع السياسة باهتمام وأتمنى أن أعبر عن نفسى بكتابة القصة، وربما يومًا ما أكتب الرواية!

وكان بهاء يقرأ الأدب ويحفظ أبياتًا لا حصر لها من الشعر ويتمنى أن يعبر عن نفسه بكتابة الرأى السياسى وربما يوما  ما كانت له كلمته فى الحياة السياسية!!

وعندما ذهبت فى تحقيق إلى قرية «القرنة» بالشاطئ الغربى لمدينة الأقصر، عدت وكتبت رواية الجبل، كان التحقيق عام 1947، وكتبت الرواية عام 1958، أما بهاء فسافر فى نفس الوقت فى تحقيق بشبين الكوم، وأرسل لى من هناك قصة قصيرة، وها هى ذى بعض فقرات من خطابه:

شبين الكوم فى 9 مايو 1947.. عزيزى فتحى: ثعبان كسيح لم تكد تقرع له الأجراس حتى أخذ يزحف ملتويًا بين المروج الخضراء ذات المنظر الثابت الذى لا يتغير، إنه قطار الركاب الذى كان علىَّ أن أركبه إلى شبين الكوم، ومع ذلك فالمروج الواسعة ليست كلها - فى هذا المرة - خضراء فإن مساحات كبيرة منها تزدحم بالأعواد الصفراء المثقلة بحبوب القمح الذهبية، ووقفت كعادتى فى النافذة أتأمل تلك السنابل الناضجة وهى تراقص الأنسام تحت ضوء الشمس الغادية، وكنت ألمح بين الحين والحين فلاحة تملأ جرة أو فلاحًا يقود بقرة، وسألت نفسى: ألا تصلح هذه البقاع الجميلة مسرحًا لقصة ما؟! وهل يستطيع هؤلاء الفلاحون السذج القيام بأدوار البطولة فيها؟ لنحاول.. وكانت نتيجة هذه المحاولة تلك القصة القصيرة التى أنقلها إليك بصورتها الأولى المهوشة، كما أتممتها منذ دقائق وبعد وصولى إلى الاستراحة بساعتين.

ويكمل الأستاذ فتحى غانم: كتب بهاء القصة وهى عن فلاحة وشاب فلاح يريد أن يتزوجها ولا يجد المهر الذى يطلبه أبوالفتاة خمسة جنيهات ثم يتعرض الشاب لحادث من شاب يركب سيارته فيكون الحادث سببًا فى حصول الفتى الفقير على تعويض خمسة جنيهات من الشاب صاحب السيارة، فينفتح باب الأمل أمام الفتى و الفتاة فى الزواج ويتوقف ابن عم الفتاة عن مطاردة العريس الفقير الذى أوشك أن يتعرض للقتل بسبب غيرة ابن عم الفتاة!!

وبعد أن انتهى «بهاء» من قصته كتب يختتم خطابه: عزيزى فتحي: تلك هى المحاولة ولكنها ليست المحاولة الكاملة إنها الخطوط الأولى لها ولكننى أمل أن أجد عندك حين أعود نقدًا قاسيًا لها!

ويضيف الأستاذ فتحى غانم: كان بهاء منذ البداية يحاول كتابة القصة والشعر وكان يكتب كل صباح تقريبًا خطابًا غراميًا لفتاة مجهولة لا يعرفها ولكنه يتخيلها، كأن لم يقابل بعد ويحب ويتزوج تلك السيدة الرائعة شريكة حياته.

هذا هو ما فى أعماقه، أما إذا أراد أن يواجه الناس القراء فيما بعد، فهو يكتب فى السياسة ويرى أنها الأولى بالاهتمام فى بلادنا التى تعانى من مآس عديدة كان على رأسها احتلال الإنجليز لمصر، والفقر الذى يسحق الفلاحين والجهل يضرب حصاره على الجميع.

وكانت حكايات «بهاء» عن «دراو» حيث أهله فى أقاصى الصعيد فيها مرارة وحدة ووصف وحشى لجرائم قتل والدماء تنفجر نافورات ترش الأرض والجدران، إنه ينتمى إلى تلك المنطقة من صعيد مصر التى يتعامل فيها الرجال بقانونهم الخاص بعيدًا عن الحكومة، ووسيلتهم فى التعامل مع المشاكل هى فى الغالب السلاح، حياة قاسية خشنة لا يهدأ فيها الصراع، ولا يبقى على البشر سوى تلك الرقة أو الواحة العاطفية الناعمة التى تختبئ فى أعماقهم.

قسوة الحياة فى صعيد مصر فرضت على بهاء أن يتجه إلى السياسة، والرغبة فى البقاء والاحتفاظ بالأمل فى الحياة فرضت على بهاء حب الشعر والأدب وأجمله هو ما كان غزلاً رقيقًا عاطفيًا. وللحكاية بقية.