الجمعة 29 مارس 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
احمد باشا
صلاح حافظ وخناقات الفنانين!

صلاح حافظ وخناقات الفنانين!

كنت أتساءل دائمًا لماذا الأخبار التافهة للفنانين هى الأكثر قراءة واهتمامًا وتتصدر اهتمامات البرامج الفنية فى الفضائيات؟!



هذا الأسبوع وجدت الإجابة فى مقال قديم عمره 35 سنة للكاتب السياسي الكبير ومايسترو الصحافة الأستاذ «صلاح حافظ» وكان عنوانه: «خناقات الفنانين» كتب يقول: «يستمتع الرأى العام بخناقات الفنانين والسبب هو أن أسلوب هذه الخناقات يشبع غروره ويشعره بأنه أرقى كثيرًا من نجومه المفضلين! وخذ هذه الأمثلة على سبيل العينة!

ملحن شهير يتبنى مطربة شابة موهوبة فتغار منها زوجته وتطلب من أصدقاء زوجها فى الإذاعة والسينما والتليفزيون أن يحموا بيتها بحق العيش والملح والصداقة، فيهبون جميعًا إلى نجدتها حسب أصول الشهامة ويحجبون بالإجماع صوت هذه المطربة، خدمة للاستقرار الزوجى!

النقاد فى مصر يتشاجرون مع النصف الآخر على أرصفة الصحف بسبب مسرحية تحمل بالصدقة اسم «على الرصيف» والمشاجرة حامية وأصداؤها عبرت الحدود إلى العالم الخارجى ولكن تسعين فى المائة من هذه الأصداء يخلو من أى لفظ فنى ولا تتردد فيه غير ألفاظ وتعبيرات وشتائم حزبية، المؤلفة الجديدة «نهاد جاد» التى نجحت فى إحياء المسرح السياسى المصرى بنص مسرحيتها الأولى «على الرصيف» أصبحت متهمة بخيانة الوطن والثورة، وأصبحت حسبما نشرت إحدى الصحف الحزبية عضوًا فى جماعة رجعية يقودها الأستاذ «مصطفى أمين» وبلغ من نفوذ المؤلفة فى هذه الجماعة أنها تملك أن ترفع سماعة التليفون وتملى ما تريد نشره على الأستاذ «مصطفى» الذى أعرف عن يقين أنها لو دخلت مكتبه لسألها: مين حضرتك؟!

ولا أظن أننا فى حاجة إلى نماذج أخرى من مشاجرات نجومنا لكى نشعر نحن الجمهور بالتفوق عليهم!

فنحن نتشاجر مثلهم نعم، ولكننا لا نزيف مثلهم موضوع الشجار،  ولا نجبن عن إعلانه ولا نضلل الأهل والجيران عن حقيقة القضية التى نتشاجر بسببها!!

تغار المرأة على زوجها لأن جارتها أجمل منها فلا تخفى هذه الغيرة ولا تبتدع سببًا وهميًا لإعلان الحرب عليها وإنما تصرخ فى وجهها بوضوح وأمام الجميع: ابعدى عن جوزى يا خطافة الرجالة!

ويتشاجر فى الملاعب جمهور الكرة لخلاف على سير المباراة أو على موقف الحكم، ويتشاجر فى البيت زوج وزوجته لأنها تبدد المرتب الشهرى قبل أن ينتهى الشهر، ولكن هذه المشاجرات جميعًا تجرى تحت عنوان سببها الحقيقى وتجرى معلنة موضوعها للجميع ولا يختلف العنوان أبدًا!

يتشاجر الجمهور لأسباب كروية والزوج لأسباب بيتية والفنانون وحدهم يتشاجرون فنيًا وفى ضميرهم أسباب غير  فنية، والنقاد وحدهم يتشاجرون وفى ضميرهم أسباب غير نقدية، والوسط الثقافى هو الوسط الوحيد فى مصر وفى البلاد العربية الذى يجند مواهبه وطاقاته فى خدمة معارك لا تنتمى إلى قضيته!

الشاعر التافه أمير للشعراء عند الفريق الذى ينتمى إليه أو الحزب الذى ينطق باسمه أو الشلة التى تسهر معه، أو العائلة التى هو زوج ابنتها، أو الشركة التى يؤلف لها أغانى أفلامها، والشاعر العبقرى غير موجود عند الناقد الذى تشاجر معه أو الشلة التى لم تستخف دمه! أو المخرج الذى رفض أن يكتب له أغانى الفيلم! أو الحزب الذى رفض الانضمام إليه!

ويتعرض لنفس المعاملة الموسيقار والأديب والمؤلف المسرحى والنجم السينمائى وكل مشتغل بالفن على إطلاقه! والنتيجة أن الثقافة المصرية والعربية فى حالة إجهاض يومى لكل مولود جديد تحمل به!

وهكذا أصبحت معارك مصر الثقافية والفنية والنقدية والأدبية فرعًا من معارك أخرى: شخصية وزوجية وحزبية!

فقدت الثقافة هيبتها وسلطانها ولم تعد تثار فى ساحتها معارك تنتسب إلى قيمها الخاصة وموازينها الحضارية الراقية ورسالتها القائدة، لم تعد الثقافة أصلاً وإنما أصبحت ظلاً!

 

ولم تعد معارك نجومها تنبه طاقاتنا العقلية والوجدانية وتسمو بنا فوق المشاغل التافهة لحياتنا اليومية، إنما أصبحت الفائدة الوحيدة التى نجنيها من هذه المعارك هى شعورنا بأننا أفضل من نجومنا المفضلين! ولأننا نحبهم كثيرًا فإننا نسأل الله تعالى أن يلهمهم طبائعنا فى الحوار والشجار لعلهم يرتفعون بها ــ ذات يوم ــ إلى مستوى الجمهور، إنه على كل شىء قدير. الله يرحمك يا عم صلاح.. مازالت الخناقات مستمرة ورقيا وفضائيًا!!