الإثنين 1 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
عباس العقاد بقلم عباس العقاد!

عباس العقاد بقلم عباس العقاد!

منذ 75 سنة سئل الأستاذ الكبير «عباس محمود العقاد» متى سيكتب كتابًا عن حياته وسيرته الذاتية؟



وأجاب العقاد يومها: «سأكتب هذا الكتاب وسيكون عنوانه «عنى» وسيتناول حياتى من جانبين: الأول حياتى الشخصية بما فيها من صفاتى وخصائصى ونشأتى وتربيتى البيتية والفكرية، وآمالى وأهدافى، وما تأثرت به من بيئة وأساتذة وأصدقاء، وما طبع أو انطبع فى نفسى من إيمان وعقيدة ومبادئ!

أو بعبارة أخرى «عباس العقاد الإنسان الذى أعرفه أنا وحدى، لا عباس العقاد كما يعرفه الناس ولا عباس العقاد كما خلقه الله».

والجانب الثانى: حياتى الأدبية والسياسية والاجتماعية المتصلة بمن حولى من الناس أو بالأحداث التى مرت وعشت فيها أو عشت معها، وخضت بسببها عدة معارك قلمية، وكانت صناعة القلم أبرز ما عشت فيها أو بعبارة أخرى «حياة قلمى».

كان ذلك عام 1946 وصاحب السؤال الأستاذ طاهر الطناجى وبعد عدة سنوات أصدر العقاد كتاب «أنا» وكتاب «حياة قلم»، وهما من أجمل وأعمق ما كتب العقاد، حياة حافلة مثيرة فى عالم الفكر والأدب والصحافة والسياسة بطبيعة الحال.

لكنى أتوقف هنا حول ما كتبه العقاد عن العقاد حيث يقول:

إننى لا أتحدث بطبيعة الحال عن «عباس العقاد» كما خلقه الله، فالله جل جلاله هو الأولى بأن يُسأل عن ذلك.

ولن أتحدث بطبيعة الحال عن «عباس العقاد» كما يراه الناس، فالناس هم المسئولون عن ذلك!

ولكنى سأتحدث عن «عباس العقاد» كما أراه، وعباس العقاد كما أراه - بالاختصار - هو شىء آخر مختلف كل الاختلاف عن الشخص الذى يراه الكثيرون من الأصدقاء أو من الأعداء.

هو شخص استغربه كل الاستغراب حين أسمعهم يصفونه أو يتحدثون عنه، حتى ليخطر لى فى أكثر الأحيان أنهم يتحدثون عن إنسان لم أعرفه قط ولم التق به مرة فى مكان!!

فأضحك بينى وبين نفسى وأقول: ويل للتاريخ من المؤرخين، فعباس العقاد هو فى رأى بعض الناس مع اختلاف التعبير وحسن النية هو رجل مفرط الكبرياء، ورجل مفرط القسوة والجفاء، ورجل يعيش بين الكتب، ولا يباشر الحياة كما يباشرها سائر الناس!

ورجل يملكه سلطان المنطق والتفكير ولا سلطان للقلب ولا للعاطفة عليه، ورجل يصبح ويمسى فى الجد الصارم فلا تفتر شفتاه بضحكة واحدة إلا بعد استغفار واغتصاب.

هذا هو عباس العقاد فى رأى بعض الناس!

وأقسم بكل ما يقسم به الرجل الشريف أن «عباس العقاد» هذا رجل لا أعرفه ولا رأيته ولا عشت معه لحظة واحدة ولا التقيت به فى طريق، ونقيض ذلك هو الأقرب إلى الصواب!

نقيض ذلك هو رجل مفرط فى التواضع، ورجل مفرط فى الرحمة واللين، ورجل لا يعيش بين الكتب إلا لأنه يباشر الحياة، رجل لا يفلت لحظة واحدة فى ليله ونهاره من سلطان القلب والعاطفة، ورجل وسع شدقاه من الضحك ما يملأ مسرحًا من مسارح الفكاهة فى روايات «شارلى شابلن» جميعًا.

إننى لا أزعم أننى مفرط فى التواضع، ولكنى أعلم علم اليقين أننى لم أعامل إنسانًا قط معاملة صغير أو حقير إلا أن يكون ذلك جزاءً له على سوء أدب!

وأعلم علم اليقين أننى أمقت الغطرسة على خلق الله، ولهذا أحارب كل دكتاتور بما أستطيع ولو لم تكن بينى وبينه صلة مكان أو زمان كما حاربت هتلر ونابليون وآخرين!

وإننى لا أزعم أننى مفرط فى الرقة واللين، ولكننى أعلم علم اليقين أننى أجازف بحياتى ولا أصبر على منظر مؤلم أو على شكاية ضعيف». رحم الله العقاد بقدر ما أعطى الثقافة العربية.