الخميس 17 يوليو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد

النمنم: الإخوان لا يملكون مشروعًا ثقافيًا مستقلاً عـــــــــــــــــــــــن مبادئهم بل يخدمون به فكرة إقامة دولة الخلافة

 وكما أشار كل من الأستاذ حلمى النمنم والناقد محمد شوشة إلى اختراق الثقافة والنقد، كل هذا يحتاج إلى أن يوضع فى وعاء، ويتم توظيفه للقارئ فى مستويات لها علاقة بصناعة النشر، وقد رصدت فى كتابى «بيست سيلر» فى عام 2015 وجود عشرين روائية «منتقبة» يكتبن روايات أدبية بدور نشر شبابية، واليوم وصل عددهن إلى خمسين روائية. 



■ علم لا ينفع

يكمل «فايز»:  لست ضد أن تكتب المنتقبة رواية ولكننى أطرح سؤالًا.. فقبل عام 2010 حين كنت معهم سابقًا كانوا يقولون لنا أن الأدب علم لا ينفع، وكان ذلك فى محاضرات راغب السرجانى أحد قيادات الإخوان عن مراتب القراءة، ويصرح الدكتور محمد سليم شوشة أن ما أسموه بالأدب كان ينذر بخطة لاختراق الأدب وليس تقديم أدب جديد ففى عام 2010 كان الأدب فى تعريفهم علمًا لا ينفع، بينما فى عام 2013 قدموا أكثر من 20 روائية منتقبة فلماذا هذا التحول المفاجئ والمباغت فى خطتهم؟، كما نجد أن أكثر 10 كتَّاب مقروءين من فئة الشباب بالفعل هم كتاب محسوبون على تيار الإسلام السياسى، والأسماء عديدة من أبرزهم الروائى العراقى أحمد خيرى العمرى الذى قدم نفسه طول حياته كرجل دين وداعية، وفى عام 2013 بدأ فى كتابة الرواية وهو لديه 3 روايات شديدة الخطورة، منها رواية «شيفرة بلال» وهى تتحدث عن الأجيال الجديدة من الحركة الإسلامية الذين ولدوا فى البلاد الأوروبية، حيث ولدوا بعيدًا عن مجتمعات الإسلام، وفى روايته التالية كان يتناول هؤلاء الذين ولدوا فى أوروبا وما حولها فى الستينيات والسبعينيات ورغبة ذويهم فى العودة بهم إلى مكة أثناء فترة الكريسماس لينشأوا على الإسلام كما يرونه لذلك جاء اسمها «كريسماس فى مكة»، وفى روايته الثالثة «ألواح دوسر»، وهى تتحدث عن طوفان نوح الذى جاء ليزيل هذا المجتمع بكامله، فنجد هنا أن الثلاث روايات تؤسس لتغيير مجتمعات بالكامل عن طريق الترسيخ لأفكار بعينها دون غيرها.

ونلاحظ أن هذا الكاتب أحمد خيرى العمرى يكتب على صفحته بالفيس بوك، أن أستاذه هو سيد قطب، وكما نعلم أن سيد قطب طالما كان يؤسس لفكرة عودة الجماعة الإسلامية وعبادة كل ما هو مخالف لفكرة الجماعة، ونجد نفس الأفكار للكاتب أدهم شرقاوى الروائى الفلسطينى وهو الأكثر مبيعًا بين الشباب فى مصر، وكذلك الكاتب الأردنى أيمن العتوق الذى كتب على صفحته على الفيس بوك فى يونيو 2020 أن الكاتب المصرى الراحل طه حسين هو كاتب صهيونى وعلى نفس صفحته كتب فى 2019 نعى شديد الحزن على رحيل محمد مرسى رئيس حكم الإخوان، يذكر أن والد الكاتب أيمن العتوق واحد من أكبر القيادات الإسلامية. ونكتشف أن الدار التى تطبع كل هذه الروايات هى دار واحدة فى كل مرة، وهى دار «عصير الكتب« المعروفة واللافت أن هذه الدار ظهرت هى الأخرى فى 2013، وسنلاحظ أن كل هؤلاء الكتاب يطبعون كتبهم فى بادئ الأمر مع دار تدعى دار «البشير للثقافة والعلوم» وهى واحدة من أهم دور النشر الإخوانية التى ظهرت فى الثمانينيات.

يواصل «فايز»: طبقًا لإحصائية قام بها اتحاد الناشرين العرب أنه قبل 2012 كان عدد دور النشر فى مصر 260 دارًا فقط، وبعد 2012 أصبح عددها 560 ناشرًا، أما الآن فالعدد وصل 1200 ناشر بمصر فقط. ويرجع ذلك إلى فكرة «أسلمة المعرفة» التى نشأت فى باكستان أثناء حكم المهاتير محمد كطريقة لمواجهة المستعمر البريطانى ونفس الفكرة استخدمت فى الثمانينيات، وحملت اسم «رابطة الأدب الإسلامى» كشعور بوجوبية الرد العملى على وجود الفكر اليسارى والثورى والتيارات الليبرالية والوطنية الموجودة آنذاك وانتشار الأدب بشكل عام، فقامت رابطة الأدب الإسلامى بدعم من جماعة الإخوان فى الهند وتأسست فى جدة وقتها وصدر عنها معجم الشعراء المسلمين الذى قدموا فيه عددًا من الأسماء كشعراء رغم كونهم غير ذلك كسيد قطب وشكرى مصطفى مؤسس جماعة التكفير والهجرة، وكانت هذه طريقتهم لاختراق المشهد الثقافى، وهو ما قام به سابقًا حسن البنا عندما أسس دار «الإخوان للصحافة والنشر» فى الثلاثينيات برأس مال 70 ألف جنيه، وكانوا يطبعون المجلات والكتب ومن أعضائها من كان ينشق عن الجماعة ظاهريا؛ ليكتب ضد كل التيارات المعادية براحة وتحت غطاء ساتر .

وفى عام 2000 نجد ما أسموه بصحوة المعرفة أو «الصحوة الإسلامية» وهو إعادة تقديم كل المفاهيم بغلاف إسلامى بحسب معاييرهم مثل ما قدمه الداعية «عمرو خالد» من شرائط كاسيت فى هذه الفترة تحمل أسماء مثل «المصرف الإسلامى» و »الحب الإسلامى»، وهذا ما حرص على تقديمه الجيلان الثالث والرابع من الأجيال التى هاجرت أو تم تهجيرها من أبناء الجماعة لأوروبا، كما نرى أنه فى عام 2010 كان عدد مستخدمى الانترنت لا يزيد على مليون مستخدم، وفى عام 2005 نجد 150 ألف مدونة أنشأها الشباب؛ لتتحول فيما بعد لكتب وفى 2014 نرى 44 مليون مستخدم للإنترنت، وكل هذا نتاج ورش كتابة قاموا بدفع الشباب إليها لخلق مساحة للدعوة على السوشيال ميديا بكل وسائلها، وهو ما أفسح المجال بعد ذلك لظاهر «الدعاة الجدد» التى فجرتها “روزاليوسف”، وهذا ما شوه فكر ونفسية وشخصية المصرى وهذا ما أشار إليه السيد الرئيس عبدالفتاح السيسى فى حديث له أن هناك فكرًا اخترق شخصية وثقافة المصريين عبر السنوات السابقة، وهو ما لا يجب الاستهانة به ويجب علينا أن نعمل جاهدين لحماية هذه الأجيال من العبث بهويتها ووطنيتها، وشخصيتها المصرية الأصيلة.

يكمل «فايز»: أحد أسباب اختراق الثقافة والنقد، وهى الأسواق العربية والخليجية والتى تمثل السوق الأم والأكبر، والتى تفرض قيودًا على ما يخص الدين والجنس والسياسة، وبالتالى تفرض دور النشر ذلك التوجه على الكتاب.

ويسرد الكاتب حلمى النمنم واقعة حدثت له عندما تقلد منصب رئيس دار الكتب والوثائق فى 2014 حيث كان رئيسًا للجنة التى كانت تتابع ممتلكات الإخوان فى الشق الثقافى فيقول: رصدنا 87 دار نشر كبيرة تابعة للإخوان، ومعظمها ليس فى القاهرة والإسكندرية وأنا فى المحافظات التى تمتلئ بالإخوان، لذلك حرصت فى هذا التوقيت على عمل العديد من المعارض فى معاقل الإخوان، وهم بالفعل فى ظل حكم السيد الرئيس لن يجرؤوا على الظهور علانية وبشكل صريح؛ لذلك سنجد الالتفاف ومحاولات اختراق الفن والثقافة والأدب والإعلام وهو ما أسميه «الاختراق الناعم» وهو ما ينجم عن خطر «المتأخونين» .

■ دور الصحافة

يكمل «النمنم»: من موقعى هنا فى “روزاليوسف” أطالب الهيئة الوطنية للصحافة والإعلام بإعادة الاهتمام بالنشر الذى كانت تقوم به المؤسسات الصحفية المصرية، دار المعارف ودارالهلال وروزاليوسف والأهرام ودار أخبار اليوم يجب أن يعودوا للنشر، ويجب أن يقدموا للشباب فرص النشر حتى لا تستقطبهم دور النشر الإخوانية، وأقصد المؤسسات الصحفية تحديدًا لأن لديها وسائل اتصال ونشر تستطيع من خلالها أن تصل بالمطبوعات إلى كل مكان فلا يليق بدولة بحجم مصر أن تكتفى بدور رسمي فقط للنشر، وأقصد هنا الهيئة العامة للكتاب والمركز القومى للترجمة وقسم النشر بالثقافة الجماهيرية، والنشر المحدود فى دار الكتب. 

وأضاف النمنم، أنه يجب علينا أن نهتم بالمحافظات لأنه عندما حصل الإخوان على الانتخابات فى 2012 كان بسبب أصوات المحافظات وليست القاهرة أو الإسكندرية ودعونا نتذكر مطلبهم الوحيد بعد عزل محمد مرسى وفض رابعة لم تكن عودة محمد مرسى للسلطة، وإنما وقف شيطنة الإخوان فى الإعلام، وهذا لتأكدهم من شدة وحساسية وخطورة الإعلام فى التأثير على الرأى العام ولحرصه على الصورة الذهنية له لدى جمهوره.

■ الصورة الذهنية للمرأة

حول الصورة الذهنية المبتذلة التى تقدم فى الأدب الإخوانى، وتقديمهم للمرأة غير المنتمية للإخوان كخادمة فى مقابل المنتقية كفتاة أحلام الشباب يقول محمد سليم شوشة: ما يقدم خطورته تكمن فى أن تقديمه يأتى بصورة ناعمة أدبية تخاطب الوجدان والعاطفة وتعبق بعقول الشباب وهى الأصعب من حيث التأثير، وهى ليست صورًا من القيم الإسلامية وإنما من القيم الرجعية التى تؤسس لانحطاط الحضارة ولا علاقة لها بالإسلام على الإطلاق، فأنا مثلًا كانت رسالتى الماجستير والدكتوراه لدى عن العصر العباسى، وهو من أعظم العصور التى كانت تمتلك هامشًا كبيرًا من مساحة الحريات من حيث الجرأة فى استخدام اللغة، والتعامل مع الخمر والنساء، وكأننا عندما نقرأ عنه نتصور أننا نتحدث عن أوروبا أو أمريكا، بينما نحن نتحدث عن عصر من عصور الإسلام لكنه حتى عندما يقدم على طريقتهم فهو يقدم بشكل زائف لا يذكر فيه حالة القبول المجتمعى، للجميع بما فيها الأديان الأخرى حتى أنه كان هناك شعر يسمى شعر الأديرة نسبة لحالة التوائم والانسجام التى كانت تحدث عندما تستضيف الأديرة المسلمين، ويقومون على خدمتهم ورعايتهم وهذا يحيلنا لدير سانت كاترين الذى أنشأ فيه الرهبان جامعًا مخصوصًا ليصلى به الضيوف من المسلمين، ويقومون على خدمتهم ونظافة المكان وهو شكل من أشكال التسامح الكبير فى الحضارة الإسلامية الذى يحدث بنوع من المحبة والشعور بالمواطنة تجاه الدولة. يكمل «شوشة»: ما يقومون بفعله طوال الوقت وهو تشويه كل جميل يشعرون بالتهديد من وجوده، وعلى رأس كل شيء المرأة فهم يتفنون فى تحجيم قدرات وفكر وشخصية المرأة بشكل عام لأن المرأة هى المؤسس الأول لفكرة الدولة والتحضر، وهى الحريصة والحاملة للقيم العليا والقائمة على تربية الأجيال، وبالطبع هى لن تميل للفوضى فهى بشكل فطرى هى مع الأنظمة والاستقرار وكل ما يمنحه لها من هامش حرية زائف فهى فقط لخدمة مصالحه وأهدافه ويعطى ويأخذ تلك الحرية على حسب أهوائه. 

وأتمنى أن يطالع الجميع كتابات كاتبين مهمين للغاية هما الكاتب التركى «أورهان باموق« وهو واحد من أكثر الواعين بالتحول الذى حدث للإخوان فى تركيا، ويرصد أساليبهم المختلفة لزعزعة القيم بدعم أوروبى كبير، وهو كاتب كتبتُ عنه سابقًا فى مجلة «عالم الكتاب» والكاتب الثانى هو الكاتب الأفغانى «خالد الحسينى» وهو شرح المجتمع الأفغانى بشكل عميق من حيث الممارسات والتحولات التى حدثت للمجتمع فى أفغانستان.

■ الطائفية صناعة نخبة 

حلمى النمنم يقول: إن أول مصرى مسيحى يتولى مسئولية النشر فى قصور الثقافة فى عهدى عندما كنت وزيرًا للثقافة هو جرجس شكري، فالطائفية صناعة نخبة والنخبوى المصرى يستنكر حديث لويس عوض عن أبى العلاء المعري، فى حين أننى أنتقد البابا شنودة فهناك أزمة فى النخبة، وقلت طول ما نجد عربيات الفول موجودة فى الشارع فالوحدة الوطنية موجودة، الذين ساندوا محمد مرسى كانوا من النخبة، وهم الذين جاءوا به إلى الحكم ولذلك يجب الرهان على الشارع وليس على النخبة، ونحن أصبحنا نعيش ظاهرة الأوطان الطاردة. وانتقد النمنم المقولة الرائجة «أنا مش إخوانى بس بحترم الإخوان» باستثناء بعض التحفظات، فالنخبة قدمت استجوابًا ضد إحسان عبدالقدوس فى البرلمان، والذى حمى “روزاليوسف” هو رجل الشارع.

وتحدث طه حسين فى كتابه «الأيام» بإكبار عن الوطنيين المسيحيين الذين استشهدوا فى سبيل الوطن، النخبوى شايف الوطن لكنه شايف نفسه أكثر، وأنا لو رشحت مسيحى لرئاسة التحرير، فمن الممكن أن ينافسنى ويفضل أن يستبعده فى هذه الفترة الإخوان لن يظهروا بشكل مباشر وبعض الناس يستنكر الترحم على المسيحي، والإخوان ينشرون الفكر الرجعى ويجب أن تكون الأرضية جاهزة للحيلولة دون انتشار أفكار هذا العدو، فنجد أنه إذا حضرت الهوية المصرية تراجعت الهويات الأخرى النموذج المحترم للمرأة المصرية أن تكون مثقفة ومتعلمة، فالرئيس التركى أردوغان يتبنى مشروع الإسلام السياسى لكن المجتمع هناك متمسك بقيم حداثية حقيقية وهذا هو سر تماسك المجتمع التركي، فالتراكمات الوطنية ظهرت فى 30 يونيو؛ لأنها موجودة منذ حملة نابليون مرورًا بأيام سعد زغلول ووصولًا لجمال عبدالناصر، ولذلك يجب علينا مواجهة هذا الفكر الرجعى أسوة بما صنعه الرواد إحسان عبدالقدوس، أحمد بهاء الدين، وأمينة السعيد، فما صنعه إحسان عبدالقدوس ونجيب محفوظ هو تقديم نماذج رفيعة وليس مهاجمة الإخوان بشكل مباشر وعلينا تقديم وجوه جديدة، فـ”روزاليوسف” مثلًا قدمت روادًا عمالقة مثل أحمد بهاء الدين وقدمت شخصيات رفيعة للمجتمع.

يكمل «النمنم»: القاهرة كانت مدينة مقدسة على مدار التاريخ وكل من يبحث عن فرصة عمل كان يأتى إلى القاهرة، وأصبحنا نعانى ظاهرة الأوطان التى تطرد أبناءها..23 يوليو يعنى تأميم قناة السويس بكل ما فيها بالسلب والإيجاب، وكذلك 30 يونيو هى 3 يوليو. الإخوان جلبوا أناسا من المحافظات للاعتداء على العاصمة لأول مرة فى التاريخ. فى عام 2005 فاز الإخوان المسلمون بـ88 مقعدًا فى البرلمان وعندما نقل الأديب جمال الغيطانى الخبر إلى نجيب محفوظ قال محفوظ: يبدو أن المصريين يريدون أن يجربوا الإخوان وبالفعل تغلغل الإخوان داخل النقابات وكانوا يحرصون على حضور الندوات، فى عام 2006 نظمت لجنة النشر بالمجلس الأعلى للثقافة ندوة برئاسة الدكتور شعبان خليفة الذى وافق على مشاركة عصام العريان فى الندوة، وبدأ العريان فى الحديث عن حرية التعبير وعندئذ قاطعته قائلًا: أنتم تتحدثون عن حرية التعبير وأنتم قتلتم المفكر فرج فودة وحتى الآن لم تدينوا الجريمة.

وتساءل النمنم: هل يمكن مقارنة الإخوان بحركة طالبان؟ وأجاب: لا وألف لا، لأن طالبان تعارض الوجود الأجنبى على الأراضى الأفغانية، فى حين أن الإخوان عندما تولى بايدن مقاليد الرئاسة الأمريكية هرولوا إليه؛ لكى ينقذهم وكأن محمد مرسى خرج من قبره، فى حين أن الإخوان نتاج أجنبي، فحسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين صناعة الاحتلال البريطاني، وعندما غربت شمس الإمبراطورية البريطانية عام 1956 استبدل الإخوان الإنجليز بالأمريكان، وعندما وقع الرئيس محمد نجيب قرار إعدام الخميسى والبقرى أشادت الخارجية الأمريكية بالقرار، وبدأت المؤامرة الأمريكية لإجهاض مشروع جمال عبدالناصر سنة 1965 بمشروع سيد قطب، والإخوان الآن يقيمون فى أمريكا وتركيا ويستنجدون بمنظمة هيومن رايتس ووتش. 

ومشرع حياة كريمة مفاده أن الدولة تراهن على المواطن البسيط، وطوال التاريخ المصرى تعودنا أنه طالما كانت الجبهة الداخلية قوية ومتماسكة فلا خوف من الخارج، ومحمود عزت فى أحد التسجيلات له قال مخاطبًا الإخوان: نريد أن نرجع للوضع ما قبل ثورة 25 يناير، لأنهم لم يدرسوا الشعب المصرى جيدًا.

■ التغلغل الاقتصادي

يواصل «النمنم»: بدأ التغلغل الإخوانى من خلال التغلغل الاقتصادى داخل النقابات بدليل أن مصادر ثروة خيرت الشاطر كانت من معارض السلع المعمرة فى النقابات، ثم الخطوة التالية الدخول بشكل ديمقراطى فى الانتخابات، والبعض ينادى باختيار عضو من الإخوان مثلما يتم اختيار عضو من جبهة اليسار وكان يحالفه النجاح، فالأستاذ محمد عبدالقدوس ينجح لأنه ابن إحسان عبدالقدوس، وليس لأى اعتبار آخر، وعندما تعارض يقال لك أنت تتدخل فى اختصاصات مجلس منتخب وتعارض الديمقراطية، ونحن فى ظلال وطن لا يحمى مصريين فقط ولكن هناك سوريين وعراقيين ويمنيين.

■ تزييف للتاريخ

حول نهج الإخوان لاختراق العقول من خلال السينما يشير النمنم إلى أحد الأفلام والتى عرضت منذ فترة قريبة فى التلفزيون: يظهر فى بداية المسلسل مشهد لحسن البنا وهو يخطب فى الزقازيق ويدعو للمقاومة والتصدى للاستعمار الانجليزى وطوال عدة حلقات يظهر وكأنه ليس فى مصر من يتصدى للانجليز غير حسن البنا والإخوان ثم بعد ذلك بدأ ظهور الضباط الأحرار وجمال عبدالناصر، فهل يوجد تزييف للتاريخ أكثر من ذلك، وهذا المسلسل قد عرض فى التلفزيون المصرى، وهذه ليست قضية الإعلام، فالإعلام كصحافة ووكالات أنباء وقطاع الأخبار إنما هذا الاختراق كان من خلال الإنتاج الفني، وحقيقة نحن نحتاج إلى أن نكون مؤمنين بقيم الحداثة وبقيم المواطنة والوطنية والمدنية وقيم التنوير التى حرص عليها الخديوى إسماعيل ورفاعة الطهطاوى، فالطهطاوى كتب يقول «مدار عفة المرأة عقلها وحسن تربيتها»، «من حق المرأة أن تتولى حتى الولاية الكبرى»، ويدلل على ذلك بنماذج فى التاريخ كحتشبسوت وغيرها، وهذا هو التحدى الحقيقي، فنحن بحاجة لترسيخ مثل هذه القيم، فلدينا مشكلة بأن النخبة فى المجتمع غير مهيئة لتقبل مثل تلك القيم فمثلا الطريقة السيئة التى يتم فيها تصوير المسيحيين فى المسلسلات مثلا لمذا لا يتم عمل فيلم عن المسيحيين المصريين الذى تطوعوا فى الجيش للدفاع عن بلدهم ضد الفرنجة فى الحروب الصليبيين فهم يستحقون ذلك، الوالى محمد سعيد الذى أصدر قرارًا بتجنيد أبناء المصريين من غير المسلمين لينتهى بذلك عصر الذمية ويبدأ عصر المواطنة، وهو الذى بدأ بحرية عصر المواطنة الحقيقية، فنحن بحاجة الى وجود نخبة حقيقية تكتب وتقديم الكثير من تلك النماذج مثلما كان يفعل طه حسين ورفاعة الطهطاوى، فمثلا شعار «الدين لله والوطن للجميع» الذى كان شعارًا لثورة 1919 كتبها الطهطاوى قبلها بربع قرن، أن يكون هناك نخبة مبشرة بقيم الاستنارة والتقدم، مثلا إحسان عبدالقدوس عندما كان يخرج علينا فى الإذاعة قائلا: «تصبحوا على حب»، فهو كصحفى كان مستعدًا لقول الكلمة ودفع ثمنها، أولًا زيدان مثلًا يأتون بالكاتبة أمينة السعيد وهى لازالت فتاة صغيرة وينشئون مجلة حواء الجديدة ويقدمونها، فهل هناك من يمكنه فعل ذلك حاليًا، فتلك مشكلة النخبة وليست مشكلة الدولة، فالدولة فى الحقيقة مستعدة لدعم كل ذلك. وإذا نظرنا إلى حركة الإخوان الإرهابية هى أحد منتجات المخابرات البريطانية وليست جماعة إسلامية ولا وطنية فلو نظرنا إلى ما فعلته تلك الجماعة فى كل البلدان العربية من صدام فى حين أن الحالة الوحيدة التى تصالحوا فيها مع النظام وأصبحوا جزءًا منه هو الإخوان مع النظام الاسرائيلي، فمن أعطى الشرعية لحكومة بينت هم الإخوان، هذا الارتباط هو ما يكشف لنا حقيقتهم المزيفة.

■ قيمة المواطنة

حقيقة الأمر أن الإخوان لا يملكون مشروعًا ثقافيًا مستقلًا عن مبادئهم ومشروعهم السياسي، بل يخدمون به على أفكارهم والتى تتلخص فى إقامة دولة الخلافة، والتى لا يمثل فيها المواطن أى قيمة ويتعاملون فيها مع المواطنين باعتبارهم عبيدًا، والمرأة بالنسبة لهم ليست مواطنة لا حقوق وعليها واجبات وإنما هى مخلوق وجد بغرض الحمل والولادة فقط، ولو نظرنا عن سبب كره الإخوان لطه حسين لأنه يبشر فى كتاباته بقيم المدنية والحداثة والتى هى ضد مشروع الإخوان بالأساس، فإذا حضرت الوطنية المصرية اختفى مشروع الإخوان الإرهابى، فاذا نظرنا إلى ما يتحدث به الرئيس السيسى دائما عن المواطنة والوطنية، والبعد المتوسطى للهوية المصرية وبذلك يدمر المشروع الإخوانى الهادف لسلب الهوية المصرية.

■ ميزان الثقافة

حول النقد الأدبى وسمات الأدب الذى يصل للفئات المجتمعية يقول الناقد محمد شوشة، إن النقد هو الميزان الحتمى للثقافة، لأن يكون طليعًا فى الفكرة، فالنقد علم صارم وليس عشوائيًا مثل علوم الفيزياء والكيمياء، وفيه تراكم معرفى يمكن أن يخرج بنتائج، جزء من صناعة الفوضى من تسلل الإخوان وهيمنتهم على الثقافة أن يهدم النقد ويحيده ويلغى دوره، لأن بالنقد يمكننا أن ننزع الصفة الأدبية عن الأعمال التى تحمل أفكارًا مغلوطة فلا نسميها أدبًا من الأساس، فالذى يحكم بذلك هو النقد، فعندما يكون مسموعًا وله حضور قوى ويصل الى الناس يقوم بدور الميزان، الذى يزن الحياة الثقافية بشكل حقيقي، ويفرق ما بين ما يقدم قيمة إنسانية وجمالية ومعرفية وما بين ما يقدم قيم رجعية وخطيرة وهدامة، فذلك دور النقد، والنقد حاليًا فى أزمة كبيرة مثله مثل أزمة النخبة، وجزء من مشروع الإخوان الإرهابيين منذ أوائل السبعينات والثمانينات أثناء المصالحة مع نظام السادات، حيث تغلغلوا فى الجامعات وخاصة الجامعات الإقليمية، كل أستاذ جامعة فى الجامعات المركزية كان مفرخة لعدد من الأساتذة فى الجامعات الإقليمية، وبالتالى تم إغلاق المنابع المعرفية للنقد خاصة فى أقسام الفلسفة والتى هى أم العلوم وهى الرابط لكل العلوم ليتحول بعضها الى منابع للرجعية، فمثلا هناك من يدرس فلسفة التفكيك أو حتى الفلسفة اليونانية القديمة أو الحديثة، ويطرحها بمنظور فى منتهى التخلف والرجعية كما طغت السلفية لدى النقاد، وكلها أشكال للهدم وتحييد دور النقد وإلغاء للميزان الطبيعى الذى يزن القيمة الحقيقية للنصوص الأدبية، فهذا الغزو والاختراق الاخوانى للأدب تمكن من الوصول الى المجتمع لعدم وجود النقد وهو المصفاة، بالإضافة إلى اختراق دور النشر وأيضا اختراق الإعلام والصحافة الثقافية فهم يعملون على اختراق كل الحلقات، فد صدمت من الكم الكبير من الإخوان الذى حصلوا على جواز أدبية على أعمال أدبية ركيكة، وهناك أيضا مجموعات مهيمنة تقيم روابط وتفتح ثغرات للتواجد، خصوصًا أن الحصول على جازة تفتح الباب لتسليط الضوء الاعلامى والترويج للكاتب، وهو ما كتبته فى دراسة بشكل علمى وأكاديمى عن ضرورة وجود معايير لاختيار الجوائز.

ومن الأمور التى لاحظتها السمات الجاذبة فى أدب أحمد خالد توفيق والذى كان لافتا للانتباه الاحتشاد الجماهيرى الكبير له، ولاحظت أن معظمهم من الإخوان وقد وجدت أن لدى قيما رجعية كبيرة جدا، فوجدت أن توجههم ليس مقصورا على دعم من هو منتم للإخوان الإرهابيين بشكل فعلى، ولكن أيضا لكل من يخدم أفكارهم ورؤاهم، ولو نظرنا إلى كتاب رئيس الأركان الإسرائيلى سابقًا رافائيل ايتان والذى تحدث فيها بشكل واضح عن استثمار الإسلام السياسى فى المنطقة العربية كما تحدث عن إثيوبيا ومنابع النيل.