الخميس 18 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
أمريكا والسلام والانتخابات (2)
كتب

أمريكا والسلام والانتخابات (2)




 


 

كرم جبر روزاليوسف اليومية : 22 - 11 - 2010



هل تعوض واشنطن فشلها في السلام بخدعة الديمقراطية؟
(1)
اضطرت الخارجية المصرية أن تخرج عن هدوئها، وأن توجه انتقادات عنيفة ولاذعة للإدارة الأمريكية ربما لم تستخدم مثلها إلا لمواجهة استفزازات الرئيس الأمريكي السابق جورج بوش ووزيرة خارجيته كونداليزا رايس.
للصبر حدود.. وتحاول مصر أن تطوي صفحة بوش باستفزازاتها وغطرستها، وأن تبدأ صفحة جديدة مع إدارة أوباما قوامها الاحترام المتبادل والفهم المشترك وانتهاج سياسات تخدم مصالح الدولتين.
ساد التفاؤل أجواء العلاقات بين الدولتين، وأنها علي أعتاب شهر عسل جديد، علي أثر الخطوات الجادة من الرئيس أوباما ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون.. ولكن لم يدم ذلك طويلاً.
(2)
للتذكير فقط.. فإن هناك ميراثاً كبيراً من الريب والشكوك في ملف العلاقات التاريخية بين الدولتين، وكانت نقطة الخلاف الجوهرية تدور حول انحياز الولايات المتحدة السافر ضد القضايا العربية، خصوصاً القضية الفلسطينية.
وضعت واشنطن مصالح تل أبيب في الصدارة ولم تتبدل هذه الصورة الراسخة في الضمير المصري قليلاً إلا أيام الرئيس السادات، عندما اعتبرت واشنطن نفسها شريكاً كاملاً في العملية السلمية.
بذل رؤساء أمريكيون جهوداً ضخمة لتحسين صورة بلدهم لدي العرب خصوصاً مصر، في صدارتهم نيكسون وكارتر وكلينتون وبوش الأب، ومدوا الجسور نحو إقامة علاقات طيبة مع مصر وشعبها.
(3)
المصريون لا ينسون أبداً رؤساء الغطرسة الأمريكية مثل جونسون وريجان وبوش الابن، ولم يقبلوا تحت أي ظروف أن يلوي أحد ذراعهم أو أن يعمل ضد المصالح العربية المشروعة.
لا نريد التذكير بالحقبة الناصرية عندما اكتسب الرئيس جمال عبدالناصر شعبيته من الوقوف ضد المخططات الأمريكية، ونجح في حشد نصف العالم ضد ما أسماه الاستعمار والرجعية والإمبريالية.
تولدت لدي المصريين منذ ذلك الوقت هواجس كبيرة بشأن التدخل الأجنبي، يظاهرها تاريخ طويل من الكفاح ضد المستعمر وصياغة مفهوم وطني للاستقلال يرفض كل صور وأشكال التدخل الأجنبي.
(4)
في سنوات حكم الرئيس مبارك كان ترمومتر العلاقات المصرية الأمريكية يصعد ويهبط وفقاً لقاعدتين أساسيتين: السلام والشأن الداخلي، وتنفرج العلاقات أو تتأزم وفقا لمواقف واشنطن من هاتين القضيتين.
توترت العلاقات بين البلدين بشدة في فترة حكم بوش الابن، نتيجة المواقف الأمريكية المنحازة لإسرائيل ودخول المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية ثلاجة التجميد.
جاء أوباما إلي البيت الأبيض بمشروع حالم حول السلام لكنه بدأ في الانهيار تدريجياً علي صخرة المناورات الإسرائيلية، وبالذات عندما تولي نتانياهو رئاسة الحكومة الإسرائيلية وعاد كل شيء إلي نقطة الصفر.
(5)
السؤال هنا: هل تحاول بعض جماعات الضغط الأمريكية أن تعوض فشلها في ملف السلام بالعودة إلي الملفات الداخلية المستفزة مثل الديمقراطية وحقوق الإنسان والانتخابات المصرية؟
هل يقف اللوبي الصهيوني وراء المطالبة بالرقابة الدولية علي الانتخابات في مصر ليجذب الانتباه في اتجاه آخر، لإثناء مصر عن موقفها الثابت من القضية الفلسطينية ودعم الشعب الفلسطيني ومساندة كفاحه المشروع؟
لماذا تضغط أمريكا دائماً علي مصر في القضايا الداخلية كلما فشلت السياسات الأمريكية في المنطقة؟ فشل في السلام والعراق وأفغانستان، وهل يكون البديل هو اختلاق قضايا جديدة؟
(6)
تخطئ واشنطن لو تصورت أن المصريين الذين يكرهون مواقفها بشدة بشأن السلام وانحيازها السافر لإسرائيل، سوف يسعدون بمواقفها لأنها تدس أنفها في شئونهم الداخلية من أجل الديمقراطية.
المصريون لن تنطلي عليهم خدعة الديمقراطية علي الطريقة الأمريكية، وأمامهم ديمقراطية أمريكا في العراق التي تنزف دماً، وتفجر في الشعوب أسوأ ما فيها: النزاعات الطائفية والعرقية.
تخطئ واشنطن إذا تصورت أن في مصر طوابير طويلة من المعارضين تؤيد مطلبها فهؤلاء هم المتحولون بين القوي الدولية، كانوا مع الاتحاد السوفيتي وأصبحوا مع أمريكا وغداً مع الصين.
(7)
يبدو أن الضغوط الضخمة التي يتعرض لها الرئيس أوباما في الداخل، وخسارته انتخابات التجديد النصفي للكونجرس جعلته ضعيفاً أو أن يحاول اللعب بنفس الكروت القديمة للنجاة من انتكاسته الداخلية.
ويبدو أن وزيرة خارجيته هيلاري كلينتون لم تستمع بالمرة لخبرات وتجارب زوجها الرئيس السابق في علاقاته مع مصر، وأنها دولة تصادق من يصادقها، وتعادي من يعاديها.
خلاصة القول: إن الانتخابات سوف تجري في مصر بإرادة شعبها، ولن تطأ قدم مراقب أجنبي أرضها، ولن يكون هذا الوطن أبداً حقلاً لتجارب ديمقراطية الفوضي.


E-Mail : [email protected]