
محمد صلاح
المعلم.. جانى أم مجنى عليه؟ «1»
الوقائع المؤسفة التى شهدتها المدارس فى بداية العام الدراسى، تؤكد بما لا يدع مجالًا للشك أننا مازلنا نعيش واقعًا تعليميًا مؤلمًا، لا يمكن تجاهله أو تجميله، ولكن ليس من المستحيل تغييره للأفضل، فأمامنا آمال كبيرة لكى تصبح أحلامنا واقعًا ملموسًا، بأن تشهد المنظومة التعليمية تطويرا حقيقيا، يعزز من مكانة مصر إقليميًا ودوليًا، كمنارة للعلم والعلماء، بتخريج أجيال جديدة من المواهب القادرة على الإبداع والابتكار، واستشراف آفاق المستقبل.
حالة الفوضى التى ضربت المدارس فى اليوم الأول، واقتحام أولياء الأمور للبوابات وتسلق الأسوار والمواسير والدخول من النوافذ، للفوز بمكان فى «التختة الأولى»، ثم هروب الطلاب من المدارس، جميعها مشاهد مأساوية لا يجب ألا تتكرر، فهى تسيئ لمجتمعنا ومدارسنا، وتنم عن غياب الوعى والضمير، وسيطرة مبدأ القوة، وعدم احترام الضوابط والقوانين، وفشل بعض مديرى المدارس والمعلمين فى تحمل مسئولية إدارة العملية التعليمية.
علينا أن نعترف أن أمامنا مشوار طويل لاكتمال تطوير المنظومة التعليمية، ولكى نحقق الهدف المنشود، يجب أن تتم عملية التطوير فى ثلاثة مسارات متوازية «المعلم، المناهج، المدرسة»، ولا يتم تفضيل إحداها على حساب الآخر، فتطوير المناهج لا يكفى فى ظل الكثافات الطلابية داخل الفصول التى تجاوزت الـ 80 طالبا، بما يعنى أننا فى حاجة إلى 250 ألف فصل، لتتحقق الكثافة الطلابية المناسبة، شريطة ألا يزيد عدد الملتحقين بالمدارس علي 800 ألف طالب سنويا.
المعلم مازال هو الحلقة الأضعف فى منظومة تطوير التعليم، رغم أنه الركيزة الأساسية فى نهضة الأمم وتقدمها، ويقوم برسالة تربوية مهمة، ويقع على عاتقه مهام كبيرة لإعداد أجيال مؤهلة لقيادة المستقبل، ببناء الشخصية وتشكيل العقول، وتعزيز القدرات المعرفية، وتنمية طرق التفكير، وتعديل سلوكيات الطلاب وترسيخ قيم الأخلاق واحترام الآخرين والانتماء والولاء للوطن.
المعلمون غير مؤهلين أو مدربين بالشكل المناسب على المناهج، وطرق التدريس الجديدة التى تعتمد على دمج التكنولوجيا بالعملية التعليمية، وقياسات مستوى التفكير لدى الطلاب بدلا من الحفظ والتلقين، فضلا عن أن آخر دفعة من المعلمين تم تعيينها يقترب سنهم من الخمسين عامًا، وبالتالى فهم يواجهون صعوبات كبيرة فى التعامل مع التكنولوجيا الجديدة، حيث لم تتجاوز فترة التدريب ثلاثة أيام فى الأسبوع، وهى فترة غير كافية لتغيير أسلوب وطرق التدريس وثقافة المعلمين، لتتواكب مع خطط التطوير الجديدة.
على مدار عقود طويلة، كانت العملية التعليمية عبارة عن فئران تجارب لبرامج التطوير المستوردة، واختيار مناهج لا تتوافق مع سوق العمل، فضلا عن إهمال متعمد لدور المعلم والمدرسة، رغم أنهما الأعمدة الرئيسية لنجاح أى منظومة تعليمية، ومع كل وزير جديد، نبدأ من نقطة الصفر، بأفكار جديدة وخطط جديدة، دون البحث عن مشروع قومى واقعى لتطوير منظومة التعليم، بعيدا عن الخيالات والأوهام التى تبث الإحباط لدى الطلاب وأولياء الأمور.
ورغم انشغال غالبية المعلمين بالدروس الخصوصية، وفشل جميع المحاولات لمحاربتها والقضاء عليها، إلا أن إعادة الانضباط للمدرسة أصبح ضرورة، ولن يتحقق ذلك إلا بالحفاظ على هيبة المعلم، وعدم إهانته ماديا ومعنويا أمام جيل «السوشيال ميديا» والتكنولوجيا الجديدة، وعدم تقليص صلاحياته داخل المدرسة، وإعادة النظر فى رواتبهم حتى لا يلجأ ضعاف النفوس منهم إلى ابتزاز الطلاب وأولياء الأمور.