السبت 17 مايو 2025
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
.. والسودان أقرب

.. والسودان أقرب

على مدى أكثر من عشر سنوات، احتفظ بصداقات من السودان، معظمهم من النخبة السودانية وتحديدا زملاء مهنة الصحافة، تعددت لقاءاتنا ما بين القاهرة والخرطوم، لا أنسى مثلا مفاجأة الصديق الإعلامى محيى الدين جِبْرِيل فى ديسمبر ٢٠١٠، على هامش زيارة للخرطوم مع الزميلة ولاء حسين لتغطية استفتاء جنوب السودان، عندما خصنا بزيارة لأحفاد الزعيم المصرى أحمد عرابى بأحد ضواحى أم درمان، ليقدم لنا واحده من القصص التى تعكس أواصر الصلة بين الشعبين، حيث أقام هناك نجل الزعيم أحمد عرابى «إبراهيم أحمد عرابي» بعد هروبه للسودان.



تستوقفنى دائما مشاعر الأشقاء فى السودان تجاه مصر، نظرتهم لكل ما هو مصرى، ارتباطهم بمعالم مصرية، حجم المعرفة عن التاريخ والواقع المصرى، والحديث هنا ليس عما يصدر رسميا من المسؤولين، ولكن ما يصدر من المواطنين السودانيين أنفسهم، هى حالة قائمة تتوارثها أجيال بعيدا عن حسابات السياسة، حالة ربما تفسر الخصوصية التى تتميز بها العلاقات الأزلية بين شعبى وادى النيل من عمق وتاريخ وتنوع.

هى حالة ربما تحمل إجابة مثلا عن السر فى أن القاهرة هى الوجهة الأولى لآلاف الأسر السودانية للإقامة أو الدراسة أو السياحة عن غيرها من العواصم، هذه ليست مبالغة، لكن يستطيع أى متابع أن يلاحظ ذلك التواجد.. ففى القاهرة هناك ضواحى ومناطق عامرة بالأشقاء السودانيين، ولا تستطيع أن تفرق بينهم وبين أشقائهم المصريين خصوصا الوافدين من الصعيد جنوبا.

أذكر فى هذا الإطار إحصائية تحدث عنها السفير السودانى بالقاهرة السفير محمد إلياس، فى اتصال معه يوليو الماضى، أن القاهرة تستضيف واحده من أكبر المراكز التعليمة للطلاب السودانيين داخل أو خارج السودان، فى مرحلتى التعليم الأساسى والثانوى، وقتها قال إن مركز التعليم السودانى فى الجيزة هو الأكبر على الإطلاق حيث قدر عدد الطلاب بالمدرسة الأولى التى جرى بها اختبارات نهاية العام الماضى ١١٠٦ طلاب، وبالمدرسة الثانية ٤٤٠ طالبا، من السودان وجنوب السودان، وهى كثافة لا تتوافر بنفس النسبة فى الداخل السودانى.

هذا الارتباط يعبر عنه كثيرين من النخبة السودانية، أذكر مثلا مقال الكاتب السودانى جمال عنقرة، رئيس تحرير صحيفة المدينة الإلكترونية، فى أغسطس الماضى بعنوان «التجربة المصرية .. المثال الأشمخ»، عندما تحدث عن تجربة  ثورة الثلاثين من يونيو بمصر، ومشروع الرئيس عبد الفتاح السيسى الوطنى، «ورهانه الدائم على الإنجاز لمصر ولأهل مصر فتجاوزت الإنجازات التى تحققت فى عهده كل ما أنجز فى العهود السابقة كلها».

سطور الكاتب السودانى، كانت تتحدث عن تجارب التغيير والإصلاح للسودان، لاستلهام ما بها فى التعاطى مع تحديات الفترة الانتقالية فى السودان خصوصا مع ما تواجهه حاليا من تطورات صعبة، حتى أنه ختم مقاله بأن «تجربة مصر هذه هى التجربة الأقرب إلينا وهى المثال الأشمخ والأجدر بالاقتداء لاسيما بالنسبة لنا فى السودان فنحن الأقرب إلى مصر وهى الأقرب إلينا وثورتهم أقرب لثورتنا وتحدياتنا أشبه بتحدياتهم ولذلك نبشر بالتجربة المصرية ونروج لها».

بلا شك السودان أقرب إلينا.. هذا حكم التاريخ والجغرافيا وعلاقات الشعبين الأزلية، فلم يغب دعم الدولة المصرية للسودان، خصوصا فى السنوات الأخيرة، مع منهج الشراكة الاستراتيجية فى علاقات البلدين، وسياسة التكامل وتوحيد المواقف خصوصا بشأن التحديات الحيوية المشتركة، وصولا للحرص المصرى الدائم على استقرار السودان ودعمها فى كل تحدياتها الداخلية.