الثلاثاء 21 مايو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
ذاكرة التاريخ.. بين السينما والأدب!

ذاكرة التاريخ.. بين السينما والأدب!

إذا كانت «الفلسفة» ديوان الإغريق واليونان؛ و«الشعر» ديوان العرب؛ فى العصور القديمة.. فإن «السينما والأدب» هما ذاكرة التاريخ والمجتمعات الإنسانية فى العصور الحديثة.



فـ«السينما والأدب يسمحان بتقديم التاريخ بمعنى أكثر رحابة؛ حيث يتدخل الإبداع لإضافة بعض التفاصيل التى قد تكون مفقودة». على حد تعبير أ.د.محمد عفيفى.

وعند استعراض ما اتكأ عليه صناع السينما فى العالم الغربى والعربى؛ مما جادت به قريحة الأدباء من روايات وقصص من /وعن الحياة ومتغيراتها داخل المجتمعات البشرية؛ نجد أنه قد تم ذلك بالرصد والتوثيق بالصوت والصورة؛ حتى تتعرف الأجيال على كيف كانت تسير الأمور ـ مثلًا ــ فى فترة من فترات الكفاح الشعبى ضد قوى الشر ومكافحة المستعمر مدعومة بقصص عن حياة الأبطال؛ حتى يقف كل إنسان على  أصول منبته وجذوره وتاريخ مجتمعه وبلاده. ولعلنا ندين بكل ما لدينا من طاقة لجنود  مصر العظماء الشرفاء؛ الذين حملوا على أكتافهم «البندقية والكاميرا» لتوثيق المعارك الضارية بالصوت والصورة؛ والتى انتهت بالانتصار العظيم فى أكتوبر 1973 وتحرير «سيناء الحبيبة» من العدو الذى دنس أراضيها فى غفوة من غفوات الزمن، وهذا ما عكفت على توثيقه عدد من الأعمال الفنية. ولقد وهبنا المولى العديد من قصص حياة الأولين فى سور «القرآن الكريم»؛ حيث يقول رب العزة: «نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ». (يوسف 3)؛ وفى هذا الإطار القرآنى.. عرفت البشرية ماذا جرى فى البلاد  وحكّامها «وَفِرْعَوْنَ ذِى الأوْتَادِ» التى قيل إنها إشارة إلى «الأهرام» فى مصر القديمة أو الفرعونية كما يقول البعض؛ وعن مولد سيدنا «موسى» وتربيته بمعجزة ربانية فى قصر الحاكم الفرعون الأكبر؛ وعرفنا ماجرى ـ بعد ذلك بين «موسى» و«الخضر»؛ وكيف كان «سليمان الحكيم» الذى يعرف لغة الطير والنمل؛ وكان بكل الجبروت يتولى تسخير «الجن» ليعمل فى مملكته إلى أن مات واقفًا وهو يتكىء على «منسأته»؛ وقصته الرائعة مع «بلقيس» ملكة «سبأ» والخبر اليقين الذى أتى به طائر «الهدهد»؛ وأخذنا العظة والعبرة من قصة «الفتى الجميل يوسف» مع «زليخاة» امرأة «عزيز مصر»... إلخ كل هذه القصص والحكايات العظيمة والعبرات التى أبدع القرآن فى تصويرها بلغتنا العربية الرائعة؛ فظهرت كأنها مجسدة أمامنا بعين الخيال والإيمان القلبى المطلق بها وبالله رب العالمين؛ ليحفظ لنا الله تاريخ الأمم والشعوب ونعرف وقائع التاريخ الذى لم نعشه ولم نره إلا من خلال هذه القصص العظيمة.

وفى البدء قبل ظهور «الإسلام» جاءت لنا «الأناجيل» فى العقيدة المسيحية بكل القصص الإنسانية وتاريخ المجتمعات التى كانت تعيش فى ظلام الوثنية والإلحاد؛ ولعلنا نعرف أن كلمة «الإنجيل»  ــ بتصرف ــ كلمة معربة من (اليونانية: ايوانجيليون) وتعنى البشارة السارة أو بشرى الخلاص؛ وتعنى بالمفهوم الروحى البشارة بمجىء يسوع، وهكذا تعطينا الكتب المقدسة بعض الصور عن كيف كانت الحياة الإنسانية والمعتقدات فى ظل العقيدة المقدسة والإيمان برب السماء الواحد القهار.

كذلك تصنع «السينما» فى عصرنا الحالى؛ وتجتهد فى أن تقوم بالتوثيق ــ صوتًا وصورة ــ فى متون صفحات التاريخ الإنسانى وهوامشه لتحافظ عليه من الاندثار؛ وليكون مصدرًا لاعتدال السلوك لكل بنى البشرعلى ظهر البسيطة؛ وفى هذا الصدد يقول أمير الشعراء شوقى: 

«إقرأوا التاريـــخَ إذ فيه العِبَر **  ضلَّ قومٌ ليس يَدْرُون الخَبَر»!!

وللأمانة.. وللتاريخ؛ يجب أن نعترف أن صناع السينما لم يكونوا وحدهم فى الرصد والتوثيق لوقائع خطوات الزمن على الأحداث الجسام فى المجتمعات العربية والغربية؛ بل كان هناك العديد من طرائق التعبير عن التسجيل والتوثيق بالفن التشكيلى والرسم والنحت.. إلخ؛ ولا ننسى الدور المهم الذى قام به «الشعراء» فى تصوير معارك الانتصار والتدبيج فى قصائد تعيش مع الزمن كمرجع تاريخى للأجيال التى لم تحظ بشرف معايشة تلك المعارك والانتصارات التى حققها جيش مصر العظيم؛ وخرج من بين رجالاتها العديد من القيادات العظيمة التى تعرف معنى وقدر كلمة «وطن»؛ ليعيش فى القلوب والأفئدة على مر الزمان. ومازال التاريخ مستمرًا فى تدوين ما يجرى هنا وهناك دون كلل أو ملل فى حصر التفاصيل وتسجيل الأحداث الجسام بغية الحرص على أن تظل باقية فى ذاكرته التى تتفوق على ذاكرة البشر فتظل ذاكرة التاريخ خير مرجع لمعرفة الماضى والحاضر والمستقبل بتلاوين من طرائق التوثيق الدقيقة فى الرصد والتحليل واستنباط الدروس المستفادة والعبرات.

أستاذ العلوم اللغوية بأكاديمية الفنون

وعضو اتحاد كتاب