الثلاثاء 23 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
رزالة وسماجة مذيع ومحمد سلماوى!

رزالة وسماجة مذيع ومحمد سلماوى!

يتمتع بعض مذيعى أو مراسلى الفضائيات برزالة وسماجة لا حدود لها، وهذا ما حدث بالضبط عقب إصابة الأديب العالمى «نجيب محفوظ» فى يونيو سنة 2006 ودخوله مستشفى الشرطة القريب من بيته، وكان الأديب الأستاذ «محمد سلماوى» معه يومًا بيوم وقد سجل هذه التجربة الإنسانية فى كتابه «نجيب محفوظ» المحطة الأخيرة حيث كان يتم عقد مؤتمر صحفى يومى لشرح حالة الأستاذ نجيب محفوظ، وهنا تبدأ حكاية المذيع الرزل والسمج، كما حدثت مع الأستاذ «محمد سلماوى» حيث يقول:



«على باب القاعة وجدت كاميرات تنتظرنى، استفزتنى إحداها - وكانت تابعة لإحدى القنوات الفضائية حيث سألنى مذيعها عن «أولاد حارتنا» التى كانت سببا - على حد قوله- فى فوز نجيب محفوظ بجائزة نوبل!

قلت: من الذى قال ذلك؟! قال: ذلك أمر معروف! قلت ذلك شيء مغلوط لا يصح أن تردده دون معرفة، أولا جائزة نوبل لا تعطى لعمل، بل تعطى لكاتب، هناك جوائز تعطى لعمل بعينه، مثل جائزة «بوكر» البريطانية أو جائزة «بوليتزن» الأمريكية لكن ليس جائزة نوبل ولو أنها كانت تُمنح لعمل بعينه لفاز بها بعض الكتاب الشباب إذ قدموا عملًا أدبيًا جيدًا، لكنها لا تعطى إلا للكبار لأنها تعطى للتأثير الذى تركوه على الوجدان الإنسانى على مدى سنوات والذى لا يمكن أن يقتصر  على رواية واحدة، ثم أن حيثيات منح «محفوظ جائزة نوبل موجودة ومنشورة وليس بها ما يقول إنه حصل عليها بسبب رواية واحدة هى «أولاد حارتنا»، لقد ذكرت الحيثيات أهم أعمال أديبنا الكبير فذكرت أولاد حارتنا، كما ذكرت أيضا الثلاثية وغيرها من روائعه، فلماذا القول إنه لم يحصل على نوبل إلا بسبب أولاد حارتنا؟!

وقبل أن يجيب المذيع الشاب عن سؤالى الاستنكارى، سألته سؤالا آخر هل تعرف فى أى سنة نشرت أولاد حارتنا لم يرد، قلت نشرت سنة 1959 وحصل الأستاذ على نوبل عام 1988 أى بعد نحو 30 سنة، هل لو كانت نوبل ستمنح بسبب هذه الرواية كانت ستخبئ بعد ثلاثة عقود من الزمان؟!

ويبدو أن جوابى فتح شهية المذيع الذى لاحقنى على الفور بسؤال آخر: يقول آخرون إنه فاز بنوبل بسبب تأييده لاتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل! قلت: كأننا لا نؤمن بأن لدينا كاتبًا يستحق نوبل للقيمة الرفيعة لأدبه، فنظل نبحث عن أسباب غير أدبية تفسر لنا لماذا فاز بالجائزة!

إن نجيب محفوظ يستحق نوبل بأدبه وحده وقد تأخرت الجائزة فى الوصول إليه لدرجة أن ذلك كان قد بدأ يؤثر على مصداقية الجائزة نفسها، لقد سمعت بنفسى رئيس لجنة نوبل السابق «ستورى الآن» وهو يقول لنجيب محفوظ فى مكتبه بالأهرام لقد أكدت مصداقيتنا بقبولك الجائزة، فالأدب العربى له تراث عريق وكان تجاهلنا له طوال ما يقرب من القرن عوارًا أصلحته أنت الآن!

فكيف يقول مسئول نوبل هذا ونقول نحن لا إنه لا يستحقها، لكنه فاز بها لهذا السبب أو ذاك؟! ما هذا الإحساس المعيب بالدونية؟

قال المذيع: لكنه كان يؤيد كامب ديفيد؟ قلت: لم يؤيد كامب ديفيد بل كان يدعو للسلام، هناك فرق بين الاثنين، وقد تعجب لو قلت لك إننى أتصور أن نجيب محفوظ لم يقرأ اتفاقية كامب ديفيد فكثيرًا ما سألنى خلال مناقشاتنا عن بعض بنودها لذلك فهو لم يعلن قط تأييده لها أو لبنودها، لكنه أعلن قبل الاتفاقية وبعدها أنه مع إقرار السلام وحقن الدماء، ولو أنه قرأها لربما أيدها أو رفضها لكنه لم يفعل، لقد أيد السلام وهذا موقف إنسانى وليس موقفا سياسيا.

لقد كان نجيب محفوظ من أشد مؤيدى القضية الفلسطينية، ففى الوقت الذى لم يكن مسموحًا بأن ينطق أحد بتعبير «الدولة الفلسطينية» وكان التعبير المتفق عليه هو «الحقوق المشروعة للشعب الفلسطينى» اختار محفوظ اللحظة التى تركز فيها اهتمام العالم كله عليه وهى لحظة تسلمه جائزة «نوبل» لكى يطالب فى خطاب نوبل بدولة فلسطينية!

وينهى الأستاذ «محمد سلماوى» تلك الحكاية مع ذلك المذيع السمج الحنجورى بقوله:

وشعرت بأننى لو ظللت أجيب عن كل سؤال يوجهه لى المذيع فإن هذا اللقاء العابر سيتحول إلى برنامج حوارى فاعتذرت للمذيع وعدت مرة أخرى إلى غرفة الأستاذ. وما أكثر هؤلاء الذين تحدث عن أحدهم الأستاذ محمد سلماوى!