الخميس 18 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
بهاء وزيارة لمكتبة  د.طه حسين!

بهاء وزيارة لمكتبة د.طه حسين!

كانت فكرة الأستاذ الكبير أحمد بهاء الدين «من زيارته لمكتبة د.طه حسين وحسب قوله: «أقدم لزملائى ولقرائى ولنفسى صورة من الجهد الذى صنعهم والذى صنعنا من بعدهم».



ويصف مكتبة طه حسين قائلا: إن حجرة المكتبة تقع فى الطابق الأرضى ولها باب زجاجى واسع يؤدى إلى الحديقة مباشرة ولا أذكر الآن من الحجرة إلا أن جدرانها كلها مغطاة بالكتب من الأرض إلى السقف ما عدا ثغرة واحدة تشغلها صورة للزوجة وربة البيت، وأن ما فيها من أثاث غير ذلك لا يعدو مكتبًا عاديًا وثلاثة مقاعد من الطراز «الأسيوطى» القديم، وأن الألوان السائدة فيها هى البنى والأحمر، وأن النور فيها قليل مريح!

والغرفة اسم «غرفة المكتبة» ولكنها ليست فى الواقع كل المكتبة، فلا يوجد ممر أو ردهة أو صالة فى الطابقين إلا وفيه بالذات من المجلدات القديمة العربية فيها ما تصل أجزاؤه إلى أكثر من العشرين جزءًا!!

ويسأل بهاء قائلا: هل قرأت كل ما فى هذا البيت من كتب؟

فقال: بالطبع لا.. أذكر أننى ذهبت مرة فى باريس لزيارة «لا لاند» أستاذ الفلسفة الشهير وكان بيته مكتظًا بالكتب بصورة غير معقولة، وكانت زوحته تشكو وتتذمر من كثرة الكتب التى لا يقرؤها زوجها، وكان «لا لاند» يقول: إنه يقتنى الكتب التى قرأها فقط ولكنه يقتنى كل كتاب يجب أن يكون فى متناول يده فقد يحتاج ذات يوم إلى سطر واحد فيه!

ويسأله الأستاذ «بهاء» كيف تكونت له هذه الآلاف من الكتب؟

ويجيب العميد أنه تعلم شراء الكتب واقتناءها بكثرة منذ سفره إلى فرنسا ليدرس هناك وأن الكتب التى عاد بها من هناك كانت النواة الأولى لمكتبته الحالية!

وضحك طه حسين ضحكة قصيرة ثم قال: كان أخى الأكبر الشيخ «أحمد حسين» يشترى الكثير من الكتب العربية القديمة خصوصًا كتب الفقه واللغة والأدب والتاريخ فلما عدت من باريس بدأت أستعير هذه الكتب منه شيئًا فشيئًا ثم لا أردها! وبهذا الأسلوب أصبحت لى كتب كثيرة ضخمة مثل كتاب لسان العرب والكامل للمبرد وأغلب كتب تفسير القرآن والحديث التى تراها عندى الآن».

ويكمل الأستاذ «بهاء»: وقمت أتأمل رفوف الكتب وأقلب بعضها وأقرأ عناوينها بغير ترتيب مقصود ولا يتوقع القارئ منى بالطبع أن أسرد له كشفًا بأسماء الكتب وأنواعها ولا حتى نماذج كثيرة منها فالكتب الموجودة فى الفيللا الجميلة الهادئة تعد بالآلاف لا بالمئات!

ويتحدث د.طه حسين عن ظروف تأليف بعض كتبه ومنها مثلا «على هامش السيرة» فيقول:

ـ إن فكرة هذا الكتاب خطرت لى وأنا فى باريس، حين قرأت كتابًا اسمه «على هامش الكتب القديمة» من تأليف «جول ليمتر» وهو عبارة عن حكايات مخترعة تدور حول أبطال بعض الكتب القديمة كالإلياذة والأودسة وغيرهما فسألت نفسى: هل من الممكن القيام بنفس التجربة باللغة العربية وفى جو إسلامى صرف؟ ثم أجبت عن هذا السؤال بتأليف كتاب «على هامش السيرة»!

ويعلق الأستاذ بهاء قائلا: أذكر أننى كنت طالبًا عندما كانت أجزاء هذا الكتاب تصدر، فكنت أقرأ سطوره وكأننى أترنم بقصائد من الشعر، فأسلوب الكتابة فيه أسلوب شاعرى عاطفى لا عقلى، أسلوب رقيق رقيق، بلغ من رقته أنه جعل كل شخصيات هذا العصر الذى أتصوره خشنًا شخصيات تسيل رقة!

ويقول الأستاذ «بهاء» التهمت الجولة بين الكتب العربية أغلب الوقت، ولم يعد ممكنًا أن أقلب طويلا فى جانب ضخم آخر من المكتبة، جانب الأدب الأوروبى، وليس معنى هذا أن الكتب فى مكتبة طه حسين منسقة بدقة، جانب لهذه الكتب وجانب لتلك كلا «فالكتب غير منسقة طبقًا لمنطق واحد إلا منطق الاستعمال!».

كانت زيارة أحمد بهاء الدين لمكتبة طه حسين عام 1958 وتكررت زياراته لمكتبات المشاهير وقتها، وتلك حكاية أخرى!