
أ.د. رضا عوض
الجذور التاريخية.. للحرب الأوكرانية
الحرب الروسية الاوكرانية تدخل أسبوعها الرابع دون أمل فى ايقافها إلى أن توافق أوكرانيا على الشروط الروسية التى قامت من أجلها الحرب
وفى اعتقادى أن الرئيس بوتين يخطط لهذا الغزو منذ فترة طويلة وجاءت الفرصة السانحة عندما تمادت اوكرانيا فى عداءها للجذور الروسية فى المجتمع الأوكرانى مع منع تداول اللغة الروسية ومطالبة اوكرانيا للانضمام لحلف الناتو فأراد الرئيس بوتين أن يوجه ضربة قاصمة ينهى بها هذه التجاوزات من وجهة نظره
وأرسل قواته عبر الحدود إلى المناطق الشمالية والشرقية والجنوبية من أوكرانيا الى العاصمة كييف وليس فقط الى الولايات الانفصالية فى شرق اوكرانيا لدعمها،ولكن لإخضاع اوكرانيا بأكملها لتبقى تحت النفوذ الروسى..واعتقد ان هذا هو الهدف الرئيسى الذى يصبو اليه الرئيس بوتن، وليس بسبب ان مطالب ضم اوكرانيا الى حلف الناتو يمثل تهديدا مباشرا لامن روسيا. فروسيا تمتلك من القوة العسكرية ما يضمن سلامتها من اى هجوم عليها، كما ان هناك دول البلطيق (استونيا ولاتفيا وليتوانيا،) ودول أخرى لها حدود مشتركه مع روسيا وهم أعضاء بحلف الناتو ولم تاخد روسيا ضدهم أى إجراءات عند انضمامهم لحلف الناتو، ولكن اوكرانبا لها وضع آخر وخاص فى نظر الرئيس بوتن ومن يبحث عن السيرة الذاتية ومسيرة الرئيس بوتن وشخصيته وعقيدته تجاه اوكرانيا يستنتج سبب خوض الرئيس بوتن هذه الحرب، فقد نشأ فلاديمير بوتين فى مجمع سكنى بمنطقة سكنية تتسم بالعنف فى مدينة لينينغراد - التى أصبحت فيما بعد سانت بطرسبرغ، بدأ مسار بوتين السياسى فى أوائل التسعينيات، عندما عمل كأحد كبار مساعدى أناتولى سوبتشاك، عمدة سانت بطرسبرغ آنذاك، والذى كان قبل ذلك أحد أساتذة بوتين فى الجامعة، وفى عام 1997، دخل بوتين الكريملين كمدير لوكالة الأمن الفدرالية «إف. إس. بى» (وهى الوكالة الرئيسية التى حلت محل الكى جى بي)، وسرعان ما عُين رئيسا للوزراء،وفى ليلة رأس السنة عام 1999، تنحى الرئيس الروسى السابق بوريس يلتسين عن منصبه وعين بوتين رئيسا بالإنابة، ومكث بوتين فى السلطة منذ ذلك الحين، وصار الآن أطول زعيم روسى بقاء فى سدة الحكم منذ الديكتاتور السوفيتى جوزيف ستالين الذى توفى فى عام 1953.
اتسم حكم الرئيس بوتين بالقومية الروسية المحافظة، وبه أصداء قوية لحكم القياصرة الديكتاتوري، وصف بوتين انهيار الاتحاد السوفيتى بأنه «أكبر كارثة جيوسياسية خلال القرن (العشرين)»،.ومنذ توليه السلطة بدأ فى اتخاذ القرارات التى تعيد لروسيا هيبتها وقوتها بعد انهيار الاتحاد السوفيتى
فأعاد بوتين العروض العسكرية التى تتسم بالأبهة والعظمة كتلك التى كانت تتم خلال الحقبة السوفيتية،.وبدأ هجومه العسكرى على المتمردين الانفصاليين فى الشيشان، الذى استمر بين عامى 1999 و2000 ودمر جمهورية الشيشان الواقعة فى شمال منطقة القوقاز، وكانت جورجيا بؤرة ساخنة أخرى بالنسبة إلى بوتين، ففى عام 2008، طردت قواته الجيش الجورجى من إقليمى أبخازيا وأوسيتيا الجنوبية الانفصاليين.ثم بدأ بوتن يوجه نظره الى اوكرانيا فهى ذات الجذور الراسخة.
فى التاريخ الحضارى الثقافى لروسيا الأرثوذكسية، فتاريخ روسيا يبدأ بتاريخ السلاف الشرقيين وتكوين (روس الكييفية) بين القرنين التاسع والحادى عشر، واستقروا فى مناطق عديدة بين بيلاروسيا الحديثة وروسيا وأوكرانيا،وكانت كييف (عاصمة اوكرانيا الان)اهم المدن فى هذا الاتحاد، وفى العصر الحديث وبعد اندلاع الثورة الروسية فى عام 1917.
وفى عام 1922، وقعت روسيا، إلى جانب أوكرانيا وبيلاروسيا والاتحاد السوفيتى عبر القوقاز، معاهدة إنشاء اتحاد الجمهوريات الاشتراكية السوفياتية، التى دمجت رسميًا جميع الجمهوريات الأربع لتشكيل الاتحاد السوفيتى كدولة، بين عامى 1922 و1991،فالرئيس بوتن يعتبر اوكرانيا جزءا من منطقه النفوذ الروسى، ففى عام 2014، انتزعت روسيا السيطرة على الأراضى الأوكرانية فى شبه جزيرة القرم، كما دعمت روسيا القوات الانفصالية التى تحارب فى منطقتى دونباس ولوهانسك الشرقيتين واللتين اعلنتا من جانب واحد قيام ما سمتهما جمهوريتى دونيتسك ولوهانسك الشعبيتين.
وفى شهر يوليو من العام الماضى نشر الرئيس بوتين مقالا طويلا من أكثر من ستة آلاف كلمة، بعنوان «الوحدة التاريخية بين الروس والأوكرانيين»، لم يكن هذا مقالا فى السياسة بقدر ما كان بحثا فى التاريخ والثقافة والهوية لإثبات الروابط القوية التاريخية والحضارية التى تربط روسيا وأكرانيا، وأيضا فى الخطاب الذى ألقاه قبل ثلاثة أيام من بدء الحرب فى أوكرانيا تحدث الرئيس بوتين عن الأمن وتهديدات حلف الأطلنطى، وتحدث أيضا عن الروابط التاريخية، وتصحيح أخطاء ارتكبها أنظمة وحكام سابقون.
كل هذه الشواهد تؤكد إصرارالرئيس بوتن على إعادة فرض النفوذ الروسى فى جارته الأوكرانية، وصناعة تاريخ جديد للدولة الروسية.