الثلاثاء 30 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
زمن الاهتمام

زمن الاهتمام

لست من أنصار التصريحات الغريبة مثل تلك التى تشير إلى أن الإنسان لا يستخدم أكثر من 10% من إمكاناته العقلية  أو أن ذاكرته لا محدودة ... إلخ ، وذلك مهما حاول مطلقو تلك التصريحات إلباسها ثوب العلم والإيحاء بأنها نتيجة علمية نابعة من تجارب دقيقة تتبع أساليب البحث المتعارف عليها.



فى جميع الأحوال هذا أمر جدلى لا توجد له نتيجة واضحة ولا اعتقد أن مثل تلك التصريحات- أو فلنقل نتائج الدراسات- لا يتم نشرها إلا فى معرض التشجيع والتحفيز لزيادة استخدام القدرات العقلية والذاكرة البشرية بصورة أكثر فاعلية وردًا على ما  قد يرد به البعض بأن الذاكرة البشرية قد امتلأت أو أن القدرات العقلية قد وصلت إلى نهايتها وأن العقل البشرى يعمل مستغلًا 100% من إمكاناته.

الملاحظ أن الفترة الزمنية التى نستغلها فى التفكير فى أمر ما أو مناقشته تتناقص بصورة كبيرة مقارنة بالعقود السابقة.

أتذكر مدة أو فترة أو زمن الاهتمام بموضوع ما مهما كان مهمًا أو تافهًا منذ 40 عامًا مثلًا مقارنة بالوضع الحالى فعلى سبيل المثال فإن مدة الحديث عن أحد الإعلانات التجارية التليفزيونية المعروضة خلال شهر رمضان تناقصت بشدة، فى الماضى ربما كان الحديث يمتد طوال الشهر وربما بعد انتهائه أيضًا، أما الآن فإن الحديث والاهتمام بإعلان معروض هذا العام لا تتعدى أيامًا معدودة، نفس الشىء بالنسبة للمسلسلات المعروضة.

وفى الحقيقة أن تناقص زمن الاهتمام أصبح ملحوظًا حتى فى الموضوعات الكبرى والمصيرية من وباء كورونا وكيف بدأ الحديث والاهتمام بالفيروس وأساليب انتشاره وكيفية الوقاية ثم انتقل الحديث إلى الأمصال ومدى فاعليتها أوخطورتها ثم تجد الأزمة الروسية الأوكرانية قد طغت على كل الاهتمامات السابقة، مع التركيز على التصعيد من كل الأطراف، ولما زاد زمن المواجهة عن عشرة أيام، تراجع الاهتمام بالأمر، فإنسان العصر لا يطيق أن يستمر فى الاهتمام بأمر ما لمدة طويلة حتى وإن كانت حربًا خطيرة تُلقى بتبعاتها الاقتصادية على العالم كله.

نفس الأمر الهستيرى تراه فى الأحاديث والحوادث والحكايات اليومية على شبكات التواصل الاجتماعى فتجد الاهتمام منصبًا على قصة شعر مطربة أو لكمة من نجم أمريكى لمقدم برامج ثم انتقاد قصة مسلسل أو فيلم  أو الإشادة به، ثم التعاطف مع ضحايا حوادث القتل والسرقة، ثم انتقاد صعوبة امتحان إحدى السنوات الدراسية، ثم الحنين إلى الشتاء البارد بعد هجمة الصيف شديد الحرارة مع الإعجاب ببعض الأقوال المأثورة أو المناظر الطبيعية، وفى المساء يقوم إنسان هذا العصر بغسل وعاء عقله بالماء والصابون استعدادًا للامتلاء فى اليوم التالى بموضوعات لن يهتم بها كثيرًا وهلم جرا.