الإثنين 29 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
أرشميدس ونيوتن

أرشميدس ونيوتن

على عكس الاعتقاد السائد بأن العظماء والمفكرين هم أكثر الناس انفتاحا على الآخرين وعلى العوالم المختلفة نجد أن حقيقة الأمور ربما توحى بعكس ذلك تماما، فبالرغم من ما فى الانفتاح والتواصل من تبادل للمعارف والأفكار وهو أمر نراه متزايدا بشدة فى هذا العصر، عصر المعلومات وشبكات التواصل الاجتماعى، والتى اتاحت التواصل اللحظى بين مليارات من البشر حول العالم فى تبادل ذهنى ومعرفى غير مسبوق، وتعاطى مع الأخبار والأنباء والآراء حول أى حدث من خلال الكلمة المقروءة والمسموعة ومقاطع الفيديو المصورة وذلك على مدار الساعة، مع امكانية إبداء الرأي وكذا أيضا توليد أخبار ومحتوى جديد يتم مشاركته مع الآخرين أيضا.



هذه الهستيريا الجماعية وهذا الفيضان المعلوماتى يصيب الإنسان بالعديد من المشكلات النفسية والعصبية والذهنية والعضوية أيضا، منها هستيريا الإعجاب والحاجة إلى المزيد من القبول والإعجاب والانتشار والشهرة ومنها أيضا العطش إلى المزيد من المعلومات والأخبار واجهاد الذهن فى حسابات وهمية لا قيمة لها فى أغلب الأحوال كما يشمل الاجهاد أيضا الحاجة إلى تصنيف تلك المعلومات بعد تنقيحها وتصفيتها من المعلومات الخاطئة والأخبار المغلوطة وهو أمر يزداد حدة كلما حدثت أزمة أو كارثة وما أكثرها فى هذا العصر.

فعلى سبيل المثال أوجد وباء كورونا ملايين من المعلومات الخاطئة والأخبار الكاذبة مما أدى الى ضياع المعلومات الحقيقية وسط هذا الكم المهول فى أحوال كثيرة وهو الأمر الذى دعا منظمة الصحة العاليمة إلى وصف هذا الأمر  بانه «وباء معلوماتى»  Infodemic .

وفى الحقيقة فإن هذا الوباء المعلوماتى فى تقديرى لا يرتبط فقط بالمعلومات المرتبطة بوباء حقيقى بل إن أى مستخدم لشبكات التواصل الاجتماعى يستطيع بسهولة أن يلحظ انتشار هذا المفهوم فى كل ما يراه ويسمعه ويتابعه على هذه الشبكات منذ أن يستيقظ فى الصباح وحتى قبل أن يغمض عينيه فى المساء للنوم بدقائق معدودة.

والسؤال هنا هل معنى ذلك ان هذا الفيض المعلوماتى غير مفيد؟ فى الحقيقة أن هذا السؤال يخشى الكثيرون من الإجابة عليه إجابة مباشرة ومبسطة فيما يرى آخرون ان الأمر أكثر تعقيدا ولا يمكن اختزاله فى نعم أو لا ولكن فى حقيقة الأمر فإن الميل إلى الصمت والعزلة هو أمر أكثر فائدة من الانخراط المحموم فى هذا الهذيان ولا أقول هنا الامتناع عن تلك الشبكات فهذا أمر شبه مستحيل ولذلك نجد أن تنظيم الوقت وتقنين الاستخدام هو الحل الأنسب.

نظرة سرعية على نمط حياة العظماء والمفكرين نجد ان التنظيم كان هو المفتاح لشخصيات مثل نجيب محفوظ وعباس محمود العقاد على سبيل المثال كما أن الصمت والعزلة كانا مفتاحى شخصيات مثل الدكتور جمال حمدان. العزلة والاسترخاء كانا وراء اكتشافات مهمة للبشرية فلولا استغراق ارشميدس فى حوض استحمام ممتلئ بالماء لما وصل إلى قانون الطفو ولولا جلوس اسحاق نيوتن هادئا تحت الشجرة لما تمكن من البدء فى صياغة قانون الجاذبية.

على الجانب الآخر لا نجد أى إبداعات تمت من خلال ذهن مشوش وبال مشغول وإن كان قد حدث فهى صدفة تؤكد القاعدة ولا تنفيها.