الأربعاء 17 يوليو 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
درس توفيق الحكيم: الكتابة مسئولية وليست قلة أدب!

درس توفيق الحكيم: الكتابة مسئولية وليست قلة أدب!

عرفت عن قرب المفكر الكبير الدكتور «رفعت السعيد» عندما زاملته وتشرفت بذلك عندما كنت عضوًا فى المجلس الأعلى للصحافة من عام 2003 وحتى أوائل 2011، وأسعدنى عندما أمدنى الأجزاء الثلاثة من كتابه الرائع «مجرد ذكريات»، ولعل أهم درس تعلمته منه أن تكتم وتحبس غضبك عند الكتابة، والغضب يقود إلى مزيد من الغضب!



وحكاية د.رفعت السعيد مع الكاتب الكبير إبراهيم الوردانى نموذج حى لذلك الدرس المهم ويقول د.رفعت السعيد:

هكذا كان الأمر بينى وبين إبراهيم الوردانى، لم أعد أذكر كيف ألتهب الصراع، مقال منه ضد مجلة الطليعة ورد منى ثم تراكمت كرة الثلج لتصبح معركة وتوالت التداعيات لتستدعى حدة حادة من الطرفين حتى زارنى فى «الأهرام» رجل لا أعرفه لكنه قال إنه موفد من «رمسيس نجيب» المنتج السينمائى المشهور، ولست أعرف حتى الآن سر اهتمامه بإيذاء إبراهيم الوردانى، ناولنى الرجل مظروفًا ومضى حتى قبل أن أمتلك إجابات على استفساراتى.

فتحت المظروف: أوراق قصاصات، صحف قديمة، كتاب صدر عام 1943 وكلها تشكل فضيحة قديمة مدوية ومريرة المذاق، أغلقت المظروف وقررت ألا أبتذل النقاش والذى حاولت دومًا أن أنحو به باتجاه السياسة - بإغراقه فى بئر التهجم الشخصى واصطياد الجراح القديمة المريرة التى قد يكون صاحبها قد ندم عليها وتناساها!

ولست أعرف كيف عرف الوردانى بأمر المظروف؟ ربما حاول الذى أرسله أن يشعل خوفه فأرسل له من يبلغه!

وذات صباح استدعانى «توفيق الحكيم» إلى مكتبه، كان معنا فى ذات الدور السادس فى الأهرام، توجهت مسرعًا فمن لا يتجه منطلقا لينعم بلقاء مع توفيق الحكيم الذى كان يمزج حكمته بروح مرحة وأبوه حانيه!

دخلت.. أهتزت العصا التقليدية وكأنها توشك أن ترتطم برأسى وصاح: إيه يا واد الكلام الفارغ ده؟!

خير يا توفيق بك، وإذا أجلس وجدت أمامى رجلا ضخما، أسمر، ملامح غير متسقه، بل لعلها متنافرة بشكل منفر.. لكن الوجه الأسمر كان يبتسم!

وصاح توفيق بك وهو يلوح بعصاه: أنتو مبسوطين من الكلام الفارغ اللى انتو بتكتبوه.. عايزين تعلموا الناس إيه.. بتدوهم دروس فى قلة الأدب؟!

وانطلقت العصا تهتز فى غضب.. تعلمنا أن الكتابة مسئولية قبل أن تكون مبارزة!

وبالتدريج بدأت أعرف أن الضخم الجالس أمامى هو «إبراهيم الوردانى» تعاتبنا، ضحك بصوت عال قائلا:

أصل عيب الناس دى يا توفيق بك إنهم لسه لحد دلوقتى يقرأون، فى حين إننا تخطينا مرحلة القراءة إلى مرحلة الكتابة.

طالت عصا الحكيم رأس الرجل وإيه بحنان وهو يغرقه بشتائم ودودة كنا جميعا نتقبلها منه بامتنان!

سألنى الوردانى عن المظروف قلت: لم أكمل قراءته، ولن أقرأه ولن أكتب عنه، فهذا أمر خارج عن حوارنا!

طالتنى عصا الحكيم وهو يقول: برافو يا ولد!

أستأذنت وبعد دقائق عدت بالمظروف لأعطيه للوردانى الذى كان مندهشا بحيث عجز لسنه - الطويل دوما عن أى قول!!

وتوقفنا - لم يعد أى منا يذكر الآخر بخير أو بشر، وبدأت أتعلم درس الحكيم عن الكتابة الغاضبة!

وفى سطور بالغة الدلالة والأهمية يعلق د.رفعت قائلا:

ونحن عادة ما ننساق فى الغضب بتداعيات لا أعرف من أين نستوردها؟! خاصة ذلك الغضب المكتوب فالكلمات المكتوبة تستعدى بعضها بعضا لتتراكم، محاولة أن تسترضى نوازع الغضب المشتعل لا لتطفى شرارته، بل ربما لتزيده اشتعالا!

ويمضى وقت قليل أو كثير لنكتشف مساحة المبالغة لكن بعد فوات الآوان.

وما أجمل وأعمق درس أستاذنا العظيم توفيق الحكيم الذى لقنه للوردانى ود.السعيد ولنا أيضا نحن حملة القلم!