عصام عبد الجواد
فاتورة إدمان التدخين
احتفل العالم أجمع منذ ما يقرب من أسبوعين باليوم العالمى لمكافحة تعاطى التبغ أو بمعنى أصح بمكافحة تعاطى التدخين, والأمر هنا لا يتوقف فقط عن إدمان التدخين الذى ينهش فى صحة الإنسان كالسرطان ,لكن الأمر هنا يمتد لما هو أكثر من ذلك من خلال الفاتورة الباهظة التى تدفعها الدولة فى مكافحة التدخين والمدخنين, ناهيك عن الحالة الصحية السيئة التى تصب فى نهاية المطاف على الإنتاج, وبجانب الصحة هناك تأثير آخر خطير اهتم به العالم أجمع منذ سنوات واهتمت به مصر بشكل خاص جدًا وهو أزمة المناخ وتغير البيئة ورفعت منظمة الصحة العالمية هذا العام حملة 2022«التبغ يهدد بيئتنا» وتهدف الحملة إلى زيادة الوعى بين الجمهور بشأن التأثير البيئى للتبغ من الزراعة والإنتاج والتوزيع والنفايات لإعطاء تعاطى التبغ سببًا إضافيًا للاطلاع عن التدخين وأوضحت المنظمة أن الحملة تهدف إلى فضح جهود صناعة التبغ لغسل سمعتها ومنتجاتها من خلال تسويق نفسها على أنها صديقة للبيئة.
لكن الموقف فى مصر وبكل صدق يزداد سوءًا خاصة إذا علمنا أن الإحصائيات تؤكد أن المصريين يدخنون 80 مليار سيجارة و50 ألف طن معسل بـ73 مليار جنيه سنويًا ويستهلك المصريون 4 مليارات علبة سجائر.
الكارثة الحقيقية فى موضوع التدخين وآثاره على المصريين تدفع الدولة ثمنًا باهظًا له خصوصًا مع حجم الملايين المهدرة على التدخين وإعادة التأهيل من خلال العلاج من الأمراض الخطيرة التى يصاب بها ملايين المصريين وتحاول الدولة من خلال وزارة الصحة إيجاد أماكن للمرضى خاصة مصابى السرطان وعلى الأخص سرطان الرئة الذى انتشر بين المصريين بشكل كبير, ورغم كم التحذيرات والإعلانات التى تنتشر كل يوم عن خطورة التدخين خاصة بين الشباب والفتيات إلا أن شركات التبغ تتخذ وسائل أكثر تأثيرًا فى هؤلاء الشباب حتى تستطيع أن تسيطر عليهم بمنتجاتها. ففى الفترة الأخيرة وكنوع من الدعاية المضادة انتشرت نماذج كثيرة ومتكررة لجذب المزيد من الضحايا فتارة تظهر موضة السجائر الخفيفة والسجائر ذات النكهات ثم السجائر الإلكترونية وأخيرًا البتغ المسخن وهو عملية تسخين التبغ عبر جهاز إلكترونى صغير ويتم استنشاقه.
شركات التبغ لا تتوقف عن الابتكار والترويج بجميع الصور لمنتجاتها ,بل إنها كثيرًا ما تستخدم البحث العلمى لتطلق ادعاءات كاذبة... كان آخرها ورقة بحثية زعمت من خلالها أن احتمال إصابة المدخنين بعدوى كوفيد 19 «كورونا» هو أقل بكثير مقارنة مع غير المدخنين وتم سحب تلك الدراسة من المجلة العلمية بعدما تبين أن بعض المشاركين فيها تربطهم صلات غير معلنة بصناعة التبغ العالمية.
خطط شركات التبغ لا تتوقف أبد بل تتطور يوما بعد يوم, وينفق عليها ما يقدر سنويا بنحو 9 مليارات دولار, ويدافع البعض عن إنتاج التبغ ملوحًا بالأرقام ليوحى بكونها صناعة تدر دخلًا للدولة من تحصيل الضرائب التى يدفعها أولًا وأخيرًا المواطن, ثم تنفق الدولة أضعافها لعلاج الآثار السلبية للتدخين ليس فقط على الصحة, ولكن أيضًا على إنتاجية الفرد وجودة الحياة التى مؤكد أنها تتأثر تأثرًا كبيرًا بالتدخين. وبالرغم من أن لغة الأرقام والبحث العلمى هى الأكثر مصداقية, وهى الداعم الحقيقى لمتخذ القرار إلا أن الدراسات التى تمت فى مصر حتى وقتنا هذا عن التكلفة الصحية والاقتصادية للتدخين محدودة للغاية وغير كافية فحتى الآن لم يتم إجراء دراسة شاملة لحساب كامل العبء الاقتصادى الناتج عن التدخين رغم اهتمام الدولة فى السنوات الأخيرة بصحة المواطن وتوفير ما يمكن توفيره من علاج خاصة فى مجال الأمراض المستعصية مثل السرطان عفانا الله جميعًا منه.
نحتاج جميعًا إلى حملة توعية ضخمة تشترك فيها كل الجهات المسئولية وجمعيات المجتمع المدنى لوقف نزيف انتشار التدخين فى مصر خاصة بين الشباب صغير السن.