الأربعاء 24 أبريل 2024
رئيس مجلس الإدارة
هبة صادق
رئيس التحرير
أيمن عبد المجيد
التجانس المفقود

التجانس المفقود

كان أحد تساؤلات فترة الدراسة الأولى عن أسباب تحسن مستوى الطالب وإجادته فى الامتحانات عندما يحصل على درس خصوصى، هل هذا بسبب أن المدرس يقوم بالشرح بضمير وإتقان لا يقوم بهما فى الحصص العادية أم أن وجود عدد محدود من الطلبة - فى العادة طالب أو طالبين قبل أن تتحول إلى مجموعات كبيرة الآن - فهل محدودية العدد تجعل المدرس قادرًا على إيصال أكبر قدر من المعلومات أم أن المدرس يدخر أسلوبًا سريًا لا يقدمه إلا لطلبة الدروس الخصوصية؟ كل تلك الإجابات العفوية الطفولية مرت بأذهاننا فى فترات كان الطالب الذى يحصل على درس خصوصى يشعر بالخجل، ويحاول التكتم على الأمر قبل أن يتحول الأمر فيما بعد إلى مصدر من مصادر الفخر والتباهى.



أتذكر أننى قد قمت بطرح هذا التساؤل على أحد أساتذتى فى المرحلة الإعدادية، وهو الأستاذ مراد عدلى يوسف الذى أدين له بالكثير من الفضل فى جعلى محبًا لمادته- العلوم - حيث فاجأنى بإجابة لا أزال أتذكرها بعد ما يقرب من الأربعين عامًا أشار فيها إلى أن السبب الأهم والأكثر تأثيرًا فى هذا الأمر هو أن المدرس يستطيع فى حالة الدرس الخصوصى الفردى أوالثنائى أن يتعرف على مستوى الطالب ودرجة ذكائه، والأسلوب الأمثل للتعامل معه، ومن ثم فإنه يغير أسلوبه طبقًا لخصائص الطالب، ومن ثم يستطيع أن يحقق معهم النتائج المرجوة على عكس الفصل الدراسى الذى يكون به طلبة مختلفون فى معدلات الذكاء وأسلوب التعامل والسلوكيات وخلافه وهى أمور كنا نرى بعض المعالجات لها فى تكوين فصول للمتفوقين بداخل المدرسة، ثم يستمر التسلسل نزولًا إلى فصول لا تحوى إلا أقل الطلبة فى المستوى العلمى، ثم حدث بعد ذلك أن تم دمج هؤلاء فى الفصول العادية دون المساس بفصول المتفوقين، وهو فى العادة أدى إلى أن تكون فصول المتفوقين محط الأنظار ويكون طلبتها هم أصحاب الدرجات المرتفعة التى تتشرف بهم المدرسة، وتتباهى وسط باقى المدارس فى الإدارة التعليمية أو على مستوى المحافظة أو القطر المصرى ككل.

تذكرت هذه المقولة وهنا استحضرت المجهود الخفى الذى يحاول المدرس القيام به لمحاولة إيجاد صيغة وسط تناسب كافة المستويات الجالسة أمامه فى قاعة الدرس، تذكرت أيضًا كم أعود أحيانًا إلى المنزل فى شدة الإجهاد ببساطة؛ لأننى قد كنت فى اجتماع أو لقاء خاص يضمن مستويات عقلية متباينة و أقارن ذلك بأوقات أخرى يكون أغلب اللقاء مع مفكرين يتمتعون بعقليات متطورة أو لقاء آخر مع أناس بسطاء يتحدثون فى أمور غير ذات قيمة.

أمر مشابه يحدث عندما نقوم بتصفح منشورات شبكات التواصل الاجتماعى, حيث يأتينا منشور مهم يحتاج إلى قدر من الوعى و الإدراك العقلى والثقافة وربما الفلسفة, ثم يأتى بعده مباشرة منشور آخر مغرق فى التفاهة أو الهزل, وهنا نتساءل ماذا لو أوجدنا نسختين من شبكات التواصل الاجتماعى، نسخة للأمور المهمة الجادة ونسخة أخرى لتوافه الأمور، أعتقد أن الإجهاد الذهنى لن يكون كما هو الآن كما أعتقد أن حلًا خرافًيا كهذا سيعمق الجد والثقافة كما لن يحرمنا من الاستمتاع بالتفاهة ولكن بقدر نستطيع أن نحدده بدلًا من الوضع الحالى الذى نتلاطم فيه بين موجة جادة وأخرى تافهة.