إيناس.. إسعاد.. وضمير الوطن!
تُثبت وقائع وأحداث الأيام دومًا.. أن الفنان الحقيقى يتمتع بقدرة هائلة ـ ومبكِّرة ـ على استشعار مايحدق بالوطن من أخطار وهى لاتزال فى مهدها وطور التكوين الأول؛ وذلك لما فى روحه وعقله وتكوينه مايجعله مائزًا وسابقًا بخطواتٍ عن غيره من بنى جنسه و وطنه؛ فالفنان المُبدع يلعب دورًا مهمًا ومؤثرًا فى تعزيز قيم الولاء والانتماء فى المجتمع.
ولنا أن نستعرض بعض لقطات من أحداث التاريخ القريب؛ ونلقى الضوء على : كيف قدم الشيخ/ سيد درويش الكثير من الأغانى الوطنية التى ألهبت حماس الأمة المصرية فى ثورتها الشعبية فى 1919، تلك الثورة التى جاءت فى أعقاب الحرب العالمية الأولى التى اندلعت فى العام 1914؛ ووضعت أوزارها فى العام 1918؛ ويذكر الشعب المصرى كيف قام بالغناء خلف الشيخ/سيد .. أغنية تقول كلماتها: “إحنا الجنود زى الأسود.. نموت ولا نبعشى الوطن.. بالروح نجود.. بالسيف نسود.. على العـِـدا طول الزمن”؛ لتنتصر إرادة الأمة المصرية وإجبار الاحتلال الإنجليزى على الجلوس على طاولة المفاوضات من أجل الجلاء؛ وإرغام سلطة الاحتلال بالموافقة على عودة الزعيم سعد زغلول من المنفى؛ ليكون زعيم الأمة الذى يحيا فى ذاكرتها إلى يوم يبعثون.
واليوم.. يدور الزمن دورته؛ ليقدم الدليل تلو الدليل على مدى تأثير الفنان الحقيقى فى مجتمعه.. بل أمته بأسرها؛ وتقديم البراهين والأدلة القاطعة على كيف يكون حائط الصد المنيع ضد أعداء الوطن.
وقد تجلى ذلك حين ألقت “الدراما التليفزيونية المصرية” حُزمة من الضوء على بعض المواقف والأحداث التى واكبت ثورة الشعب المصرى خلال يناير 2011؛ لتقوم بالتوثيق للموقف الصلد المُشرِّف الذى وقفته الفنانة القديرة الدكتورة /إيناس عبدالدايم ــ “رئيس دار الأوبرا المصرية” آنذاك ــ فى وجه من “استوزره” نظام الفاشية الدينية المُسمّى ـ زورًا وبهتانًا ـ بالإخوان المسلمين!؛ ليكون على رأس وزارة الثقافة المصرية؛ ورفضها القاطع لرغبته المُجحفة بإيقاف تدريبات كل فرق دار الأوبرا المصرية وإخلاء قاعاتها وتفريغها من مضامينها لصالح أطماع من قفزوا إلى سدَّة الحكم فى غفلة من عيون الزمن؛ ولعلمها اليقينى بمخططات الجماعات الإرهابية ضد المسيرة التـنموية للوطن؛ وسحبه إلى مجاهل العصور الوسطى والقضاء على حركة التنوير فى الشرق العربى كله. وكان من الروعة بمكان أن تقوم “فنانة” متحققة فى عالم التمثيل على الساحة الفنية المصرية؛ وهى الفنانة المحبوبة/إسعاد يونس.. بالقيام بدور “فنانة” متحققة وناجحة فى عالمين: عالم الموسيقا بصفتها عازفة عالمية لـ”آلة الفلوت”؛ وناجحة فى عالم الإدارة بصفتها “رئيس دار الأوبرا المصرية”؛ وتشاء الأقدار أن تتولى فى ظل الجمهورية الجديدة حقيبة “وزارة الثقافة المصرية” بكل ماتحمله هذه الوزارة من معانٍ سامية فى مسيرة الفن المصرى القديم والحديث.
ثم تتجلى عظمة وشموخ الفنان المصرى بصفةٍ عامة ـ بإعلان وإعلاء قيمة الحب وتدعيم ملَكة “الإيثار”؛ حين تقوم الفنانة “إيناس” بالثناء على أداء الفنانة “إسعاد” خلال مسلسل الاختيار، الذى أصبح علامة مائزة على صفحة الدراما المصرية؛ حيث جسدت شخصيتها فى الحلقة الخامسة والعشرين؛ والتى ظهرت بها فى مواجهة مع وزير ثقافة الجماعة المحظورة، وقالت:
“أن القديرة إسعاد يونس نجحت فى إبراز مختلف الانفعالات التى تولدت نتيجة الخوف على الوطن والغضب من ممارسات الجماعة؛ وهى بالتأكيد فنانة كبيرة تتمتع بقدرتها العالية على تجسيد الشخصية بكل كفاءة، وأثناء مشاهدتى لها شعرت بصدق مشاعرها ووطنيتها فى مواجهتها لقوى الظلام، وكأنها كانت تعيش معنا تلك الأحداث الصعبة”.
ولن أكون مبالغة فى رأيى وتفكيرى إذا قلت إن تلك الوقفة الشامخة من هذه الفنانة القابضة على جمر الوطن؛ ورفضها تنفيذ متطلبات وقرارات هذا “المُستوزر” كان لها أكبر الأثر فى تمسك المثقفين بشتى اتجاهاتهم بمواقفهم بجانب صالح الوطن وتوجهاته؛ فدخلوا فى اعتصام مفتوح للإطاحة بهذا الدخيل على مسيرة المثقفين والثقافة المصرية العريقة؛ حتى ترجم الشعب المصرى هذه المواقف الصلدة بثورته العارمة فى 30 يونيو.. ورحل الدخلاء إلى غير رجعة.. وإلى مزبلة التاريخ.
إن الشعب المصرى منذ قام بنقش تفاصيل حياته المعيشية على أحجار المعابد؛ يعرف قيمة الفنان فى محيطه المجتمعى؛ وإنه ليس مجرّد شخص يحمل القلم ليكتب؛ او يحمل الفرشاة ليرسم أو يصور أو ينحت؛ أو يحمل القيثارة لكى يعزف الموسيقى؛ بل لديه القناعة التامة بقيمة وجود الفنان وبكونه العقل المفكِّر الذى يسهم فى رسم خطوات المجتمع.
لذا انطوت سريعا صفحة الغدر والهوان الذى توعدونا به فى العام الأسود من حكمهم الذى بقع ثوب مصرنا المحروسة ناصع البياض وأتى الاختيار قمة من قمم الأعمال الدرامية التليفزيونية ليزيل آثار هذا التلوث ويفضح وجههم القبيح لمصر بل العالم أجمع بحمد الله وتوفيقه وبالفن المصرى العظيم الذى يعد بحق ضمير الوطن.فلا حياة للأمم بغير الفن والفنانين الحقيقيين أصحاب الرسالات...لتحيا مصر عصية على الانكسار أو الاندحار أبد الدهر!