
رشاد كامل
نجيب الريحانى ينتقد نفسه!
كان فيلم «غزل البنات» هو الفيلم الوحيد الذى لم يشاهده الفنان العبقرى نجيب الريحانى عن عرضه فى دور السينما فى سبتمبر سنة 1949 حيث كان قد توفى قبلها بعدة شهور فى الثامن من يونيو نفس العام.
المثير فى الأمر أن نجيب الريحانى كان حريصًا على مشاهدة بعض المشاهد التى صورها بل إنه كتب واعترف بذلك صراحة لصديقه الكاتب الصحفى الكبير «عثمان العنتبلى» واحد من أشهر نقاد السينما المصرية فى ذلك الوقت!
كان عثمان العنتبلى أول من أصدر كتابًا عنه هو «نجيب الريحانى» وضمنه كلمة نجيب الريحانى وهى بمثابة شهادة مهمة عن أعماله المسرحية والسينمائية وقد نشرها الاستاذ العنتبلى بعنوان الكلمة الخالدة التى كتبها الريحانى بخط يده، وجاء فيها:
هل وفقت فى أن أسيطر على الستار الفضى بمثل القوة التى منحتنى إياها مواهبى وخبرتى فى السيطرة على زمام التمثيل المسرحى؟
أعتقد أننى لم أوفق تماما وكثيرون ممن يعرفون الريحانى قد يشاطروننى هذا الشعور!
ولكن ألم تنل أفلامى قسطًا وافرًا من النجاح؟ نعم إنها حازت هذا النجاح ولكن فى نظرى أنا كان نجاحا ناقصا لأنها لم تظهر تلك الجهود التى بذلتها من صدق العاطفة وحسن الاداء، حتى أننى أحسست أن ضوء الستار الفضى إنما هو كضوء القمر جميل ولكنه بارد لا حياة فيه!
ثم شاءت الظروف واجتمعنا وكلنا ممن أخلصوا لفنهم فانسجمنا واستحال ذلك الضوء الفضى الى شعاع منعش كله حياة وكله حرارة تحقق الحلم المحبب الى نفس الحلم الذى وهبته حياتى شعرت بوجود عشاق فنى أمامى شعرت بأننى أنفذ بسهولة من وراء الستار إلى فأصلها إلى قلوبهم وأصيب مشاعرهم.
وهذا ما جال بخاطرى عند مشاهدتى لبعض مناظر من فيلم «غزل البنات» الذى أعده وأخرجه عزيزى «أنور وجدى» ابنى البار الوفى.
كتب الريحانى هذه الكلمات من قلب ستوديو مصر بتاريخ 3 مارس سنة 1949.
وكتب عثمان العنتبلى فى مقدمة كتابه إهداء يقول فيه: ما كنت أود أن يكون نجيب الريحانى أول كتبى المؤلفة فى ظروف رحيله الأبدى القاسى ولكن فن الرجل وما فى جوانبه العامة والخاصة من بلاغة وعظة، دفعانى دفعا الى تسجيل كتاب عنه، فنجيب الريحانى سفر حافل بكل جليل من الأفكار والمعانى.
إنى أعترف بالأفضل لى فى هذا الكتاب والفضل للخالد نجيب الريحانى فهو مادة غزيرة من الفن والإنسانية وهو عالم قائم بذاته.
ولقد قبسنا من مادته وتفيأنا ظلال عالمه فكان كتابنا نجيب الريحانى.
ويحكى عثمان العنتبلى كيف أن نجيب الريحانى كان يعشق اللون الدرامى والتراجيدى لقد نجح يوسف وهبى زميله فى التمثيل التراجيدى فلماذا لا يثبت هو الآخر نجاحه كممثل تراجيدى فقام بتأليف فرقته وقدم مسرحية المتمردة ومونافانا وغيرهما من التراجيديا لكن الجماهير كانت تضحك بشدة لكنه لم يكن يعبأ بهذه الضحكات ويستمر فى التمثيل وبعد أن ينسدل الستار وسط ضحكات الجماهير، فيتسلل الى غرفته ويأخذ فى البكاء الشديد!
إنه يريد أن يثبت جدارته فى التمثيل الجدى التراجيدى لكن الجماهير لا تعترف بجديته وترفض ما يريده هو!
وفشلت الفرقة وغرقت فى الديون وكانت صدمة جديدة لنجيب الريحانى لم يحتملها وكان لابد من حل!